منذ تأكيد إثيوبيا عزمها البدء بإنشاء سد النهضة بعيد ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 في مصر والجدل بشأنه لم يتوقف بين الدول المتشاطئة، ويتمحور هذا الجدل حول نقاط كثيرة من بينها التشكيك في دوافع أديس أبابا ومدى جدوى السد من الناحيتين الاقتصادية والفنية.
ينتاب كلاً من مصر والسودان القلق من الآثار السلبية التي قد تنتج عن سد الألفية الذي تقيمه إثيوبيا على النيل الأزرق. ويعتقد الكثير من خبراء المياه أن التأثير في مصر سيكون أكبر، لأنها عكس السودان، ليست لها مصادر مياه بديلة، فهي تعتمد اعتماداً كلياً على النيل. وعلى الرغم من الاحتجاجات المصرية، تمضي إثيوبيا قدماً في إنشاء «سد النهضة»، الذي يعتبر واحداً من أكبر السدود في العالم، على نهر النيل الأزرق، الذي ينبع من الهضبة الاثيوبية، ويمر عبر الاراضي السودانية، ليلتقي بالنيل الأبيض في الخرطوم، حيث يشكلان نهر النيل الذي يجري شمالاً ليصب في البحر الأبيض المتوسط في مصر. وبعد اكتماله ستغمر البحيرة، التي تتكون وراء السد، مساحة 1680 كلم مربعاً من الغابات شمال غرب إثيوبيا (وهي مساحة تقدر بما يصل إلى أربع مرات مساحة مدينة القاهرة)، وستتسبب البحيرة في تهجير 20 ألفاً من السكان المحليين، ومن المتوقع أن تبلغ كمية المياه المحجوزة داخل هذه البحيرة نحو 70 مليار متر مكعب من المياه - ما يعادل كامل التدفق السنوي لنهر النيل الأزرق عند الحدود السودانية، ويتوقع أن تصل سعة إنتاج السد من الكهرباء 6000 ميغاواط.
إثيوبيا تعلن قرارها الهام
اتخذت الحكومة الإثيوبية، قرارا هاما بشأن سد النهضة، بالتزامن مع زيارة وزير الخارجية المصري، سامح شكري، ورئيس المخابرات العامة المصرية، عباس كامل.
قال رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، إن الحكومة ألغت العقد مع شركة المعادن والهندسة "ميتيك"، التي يديرها الجيش الإثيوبي، لإنشاء سد النهضة.
وجاءت تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي، في تحديث لخبر تصريحاته خلال المؤتمر الصحفي العالمي على وكالة الأنباء الإثيوبية الرسمية، الذي عقده في أديس أبابا.
وكان آبي أحمد، قد وجه انتقادات حادة إلى "ميتيك"، المكلفة بتأسيس مشروع سد النهضة بتكلفة 4 مليارات دولار أمريكي، بسبب ما وصفه بتأخيرات في استكمال المشروع.
وأشار رئيس الوزراء إلى أن شركة ساليني الإيطالية تقوم بإتمام الجزء الخاص بها من المشروع في الوقت المحدّد، وهي الآن تطالب بمبالغ ضخمة بسبب التأخير من جانب هيئة المعادن والهندسة.
وتابع رئيس الوزراء الإثيوبي، بحسب الوكالة: "بناء سد النهضة الإثيوبي الكبير كان قد تم تخطيطه للانتهاء في خمس سنوات ولكن لم نتمكن من ذلك بسبب إدارة فاشلة للمشروع وخاصة بسبب تدخل شركة ميتيك (شركة تابعة لوزارة الدفاع الاثيوبية ).
وأشار رئيس الوزراء إلى أن الشركة وإدراتها لم تكن عندها خبرة ولا معرفة للعمل في مثل هذه المشروعات الكبيرة.
وذكرآبي أحمد أن شركة ساليني الإيطالية طالبت الحكومة بالتعويضات المالية، بسبب تأخر شركة ميتيك للانتهاء من المشروع في الوقت المحدد له.
يذكر أن دول السودان ومصر وأثيوبيا، تتفاوض حول قضية سد النهضة منذ العام 2014، في ضوء وجود خلافات معقدة بين تلك الدول.
وتقيم أثيوبيا سد النهضة على النيل الأزرق، بهدف توليد الكهرباء، وهو ما تخشى مصر من تأثيره على حصتها من مياه النيل، التي تبلع حوالى 55.5 مليار متر مكعب.
وقال رئيس الوزراء الإثيوبي في التصريحات، التي أوردتها وكالة الأنباء الإثيوبية لاحقا: "الحكومة ألغت العقد مع ميتيك، التي يديرها الجيش الإثيوبي، وستعطيه إلى شركة أخرى"، من دون أن يفصح عن هوية الشركة الجديدة التي ستتولى مسؤولية إنشاء السد.
وتعد شركة ساليني إمبريجيلو الإيطالية المقاول الرئيسي في مشروع بناء السد، فيما تعاقدت ميتيك على القطاعات المعدنية الخاصة بالمكونات الكهروميكانيكية والهيدروليكية في المشروع.
هل تتحمل القاهرة فشلاً
وكانت إثيوبيا حملت القاهرة المسؤولية عن فشل اجتماع الخرطوم الثلاثي في تشرين الأول بشأن سد النهضة الإثيوبي.
وخلال المؤتمر الصحافي الأسبوعي، قال المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية، ملس ألم، إن "سبب فشل مفاوضات الخرطوم هو عدم جدية وعدم تعاون الجانب المصري، وطرحه لاتفاقية 1959 في المفاوضات".
وتمنح هذه الاتفاقية، الموقعة بين السودان ومصر، القاهرة 55.5 مليار متر مكعب سنويا من مياه نهر النيل، بينما تحصل الخرطوم على 18.5 مليار متر مكعب.
وقال ألم: "إثيوبيا تعتبر أن هذه الاتفاقية لا تعنيها. طرح تلك الاتفاقية يعتبر خطا أحمر، ولا يمكن أن تتفاوض أديس أبابا حولها، فلا يمكن أن نتحدث عن اتفاقيات لم نكن طرفا فيها".
وشدّد على أن "عدم جدية وعدم تعاون الجانب المصري، وطرحة لاتفاقية 1959 أدى إلى عدم التوصل لتوافق حول قرار مشترك بشأن سد النهضة بين الدول الثلاث".
لكن المتحدث باسم الخارجية المصرية، أحمد أبو زيد، نفى الاتهامات التي وجهت إلى مصر بشأن وقوفها وراء تعثر المفاوضات الأخيرة، مؤكدا أن "مصر شاركت في اجتماعات الخرطوم بكل إيجابية ورغبة جادة في التوصل إلى اتفاق يكسر حال الجمود الحالية في المسار الفني الخاص بالسد".
من قتل رئيس المشروع، ولماذا؟
تقول الشرطة في إثيوبيا إن رئيس مشروع سد النهضة على النيل الأزرق قتل رميا بالرصاص في هجوم في وضح النهار.
وكان سيميغنيو بيكيلي، يدير المشروع وهو الوجه العام المعروف لسد النهضة الضخم، طوال فترة بناء السد القريب من الحدود الغربية مع السودان، والذي سيكون عند اكتماله أكبر السدود في أفريقيا، والذي أثار مخاوف البلدان المستفيدة من مياه النيل، ومن بينها مصر.
وتبلغ تكلفة بناء السد 4 مليارات دولار ومن المتوقع أن ينتج 6 آلاف ميغاوات من الطاقة الكهربائية، أي ما يعادل إنتاج ستة مفاعلات نووية.
وتخشى القاهرة من السرعة التي سيجري بها ملء خزان السد، إذ تعتمد مصر بصفة شبه كاملة على النيل في توفير مياه الشرب والري.
ويلتقي النيلان الأزرق والأبيض في العاصمة السودانية الخرطوم، ليشكلا مجرى نهر النيل الذي يجري في الأراضي المصرية ليصب في البحر الأبيض المتوسط.
وكانت مصر قد اقترحت إشراك البنك الدولي في المفاوضات كطرف محايد، وهو أمر رفضته أديس أبابا بشدة.
وقامت الولايات المتحدة بمبادرة وساطة مطلع الشهر نفسه، إذ أرسلت وفدا فنيا ودبلوماسيا إلى عواصم الدول الثلاث من أجل تقريب وجهات النظر.