أعلنت تعافي اقتصادها والاستغناء عن المعونات الأوروبية
اليونان.. نهاية الإنجاز الشاق!؟
لم يهدأ العالم من الأزمة المالية في سبتمبر 2008 والّتي بدأت في الولايات المتحدة الأميركية، وامتدت إلى باقي الدول حتى الآن، إذ إن دولاً كثيرة تساقطت الواحدة تلو الأخرى من جراء تأثرها بهذه الأزمة.. وها هي اليونان تنجو من أسوأ أزمة اقتصادية طوال تاريخها ما دعا بالحكومة إلى إعلان حال التقشف، على الرغم من الموقف الأوروبي الداعي إلى مساعدتها وإخراجها من أزمتها.
تمكن اليونانيون أخيراً ، بعد ثماني سنوات من الاضطراب الاقتصادي ، من العودة إلى مرحلة الاستقلال المالي، وهو الأمر الذي أدى إلى الشعور بارتياح لدى العديد من المؤسسات الأوروبية بنجاح أثينا في تحويل صفحة الأزمة المالية بعد أن أثرت سلبًا في اقتصاد القارة.
فقد أعلنت الحكومة اليونانية في العشرين من شهر آب (2018) عن نجاحها في إنهاء قرابة عقد من الزمن اعتمدت فيه على المساعدات الخارجية كجزء من إجراءات الإنقاذ التي سنتها أثينا للخروج من الأزمة الاقتصادية، التي ضربتها وكادت تنتهي بالدولة إلى إعلان إفلاسها.
ووفقا لما أعلنته حكومة رئيس الوزراء اليوناني أليكسيس تسيبراس، فقد استطاع حزب سيريزا اليساري الراديكالي الحاكم في أثينا من إدارة الأزمة الاقتصادية حتى نهاية تطبيق إجراءات الإنقاذ، بتنفيذ جميع التدابير التي طلبها الدائنون، على الرغم من الشكوك السابقة حول ما إذا كان الطرف غير المتمرّس سوف ينجح في إنجاز المهمة الشاقة.
وعلّق نائب رئيس اللّجنة الأوروبية، فالديس دومبروفيسكس، في تصريحات متلفزة نقلتها قناة سي أن بي سي الأميركية على موقعها: نحتفل بإنتهاء أطول وأصعب رحلة وما يحدث الآن هو محاولات للبناء على هذا الإنجاز بإقامة وإرساء العديد من السياسات المالية والإصلاحات الاقتصادية.
ورصد موقع »سي ان بي سي» الاقتصادي الأميركي الإجراءات اليونانية الإصلاحية لإنهاء زمن الفوضى الاقتصادية، مشيرا إلى أنه اعتبارا من 20 أغسطس، ستكون اليونان دولة ذاتية التمويل، وبالتالي لن تحصل على شرائح مالية منتظمة من دائنيها الأوروبيين.
ونتيجة لذلك، عندما تجد أثينا أنها قادرة، ستتأهب اليونان للاستفادة من الأسواق المالية لتمويل أنشطتها - تماما مثل أي بلد آخر في وضع اقتصادي صحي نسبيا، في الأسواق العالمية.
ما هي أسباب الأزمة؟
جميع الدول تتعرض لمشاكل وأزماتٍ عدة، وتعمل تلك الدول المُتأزمة على الخروج من أزماتها بطرقٍ كثيرة؛ لكن حين يتعلق الأمر بأزمة إقتصادية؛ فالجميع أمام الخطر مباشرة. اليونان؛ دولة أوروبية؛ إحدى دول منطقة اليورو، لكنك تجدها مُتصدرة أي حديث يتناول الأزمة الاقتصادية في ذلك الجزء من العالم. ويُمكن القول؛ أنها نموذج أوروبي لتردّي الأوضاع الاقتصادية؛ في منطقة دولٍ لها طابع خاص من الرفاهية.
ولكن يبقى السؤال، ما هي أسباب الأزمة اليونانية؟
* 80%من ميزانية اليونان تدفع رواتب للعاملين والمسنين داخل الدولة.
* تصرف دولة اليونان حوالى 3 إلى 4% على صفقات السلاح المختلفة.
* يصل مُعدل التضخم في اليونان إلى حوالى 40% من الناتج المحلي.
* تصل نسبة البطالة بحسب محللين إلى معدل 22إلى 24%، وتعتبر هذه
* النسبة هي الأعلى داخل الاتحاد الأوروبي تليها إسبانيا.
* صعوبة اقتراض الحكومة من الأسواق بسبب ارتفاع أسعار الفائدة التي يجب أن تدفعها للمقرضين.
هذا، وبدأت الشرارة الأولى لهذه الأزمة في عام 2004 عندما تم الإعلان بأن اليونان لم تكن مؤهلة منذ البداية لتكون ضمن المصرف النقدي الأوروبي الموحد، وذلك لأن البيانات الاقتصادية التي أُعطيت إلى الجهات الأوروبية المسؤولة آنذاك تم تزويرها وأعطيت عوضًا عنها معلومات خاطئة عن صحة أداء الاقتصاد اليوناني.
في أكتوبر عام 2009 اعترفت الحكومة اليونانية الجديدة بأن الحكومة السابقة قد زيفت الحسابات القومية، وأن الحكومة الحالية تعاني من عجز في الميزانية، ثمّ تخطت الأزمة ذروتها مع وصول عجز الموازنة في اليونان إلى 13% من الناتج المحلي وهذا يمثل خمسة أضعاف ما هو مسموح به في منطقة اليورو.
والآن تدين اليونان لصندوق النقد الدولي بحوالى 5% من ناتجها القومي، وبحوالى 70% للصندوق الأوروبي، وبالتالي فالجزء الأكبر من ديونها لمصلحة المؤسسات الرسمية للاتحاد الأوروبي.
تراكم الديون
المرة الأولى التي طالبت فيها أثينا الاتحاد الأوروبي بدعمها كان في 2010 في الوقت الذي وصل فيه مستوى تراكم الديون العامة على الدولة إلى معدلات غير مسبوقة، الأمر الذي أدّى إلى هرب المستثمرين الأجانب من أثينا ورفض الكثير من الشركاء تمويل أو إقراض الدولة.
ومنذ هذا الحين اعتمدت أثينا على الدائنين الأوروبيين وصندوق النقد الدولي للحفاظ على معدلات النقد حرة، ولكن استمرت الأزمة المالية بسبب عدد من الأحداث السياسية، بما في ذلك الخلاف التاريخي بين وزير المالية السابق يانيس فاروفاكيس وغيره من وزراء مالية منطقة اليورو.
ونتيجة لذلك، فإن اليونان والتي كانت بلدا في منطقة اليورو قد أنهت برنامج المساعدات المالية على خلفية أزمة الديون السيادية، والتي تعرضت لها دول مثل البرتغال وإيرلندا وإسبانيا فيما طلبت مدريد فقط بعض المساعدة من أجل نظامها المصرفي، وعادت جميعها من حافة الهاوية عدا اليونان.
ونما الاقتصاد اليوناني ببطء خلال السنوات الأخيرة بنسبة 25 % أقل من وقت بدء الازمة. واعتبر مفوض الاتحاد الأوروبي للشؤون الاقتصادية والمالية بيير موسكوفيتشي أن اليونان ستعامل من أي بلد آخر في منطقة أوروبا. وأضاف أن إصلاحاتها' وضعت الأساس لتحقيق انتعاش مستدام.
كابوس أوروبا
إنقاذ اليونان، كان قضية مطروحة بقوة في الاتحاد الأوروبي منذ بدأ خطته الأولى في 2010، بينما مثل هاجس إفلاسها أو خروجها من منطقة اليورو كابوسا لأوروبا وقلقا شديدا وتوترا في مناطق أخرى من العالم.
وستمثل الطريقة التي تعاملت بها أوروبا مع أزمة اليونان نموذجا قائما لدول أخرى طرفية ضعيفة في منطقة اليورو. علما بأن تعثر سداد اليونان لديونها واحتمال خروجها من منطقة اليورو يمثل ضربة لمشروع الوحدة الأوروبية الذي يعمل عليه قادة القارة العجوز منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.