
الإصلاح المالي حاجة ملحّة لمناعة الاقتصاد والأسواق في لبنان على المديين المتوسط والطويل الأجل، تبرز تساؤلات متزايدة حول أي توجه يجب أن تسلك الجهود الإصلاحية الأساسية في بلد يحتل المرتبة الثالثة عالمياً من حيث نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي ويقع ضمن العشر الأول حول العالم من حيث نسبة العجز المالي العام إلى الناتج المحلي الإجمالي، ذلك ورد في تقرير بنك عودة للفصل الثانب من العام 2018 .
لا شك بأن نسبة تعبئة الموارد في لبنان (أي نسبة الإيرادات العامة الفعلية إلى الناتج المحلي الإجمالي) والتي وصلت إلى 20٪ خلال العام الماضي، تعدّ منخفضة مقارنة بالمعايير الدولية (36٪ في الاقتصاديات المتقدمة و26٪ في الأسواق الناشئة والاقتصاديات النامية). ويعزى ذلك جزئياً إلى أن لبنان يتمتع بمعدلات ضريبية أقل نسبياً، ولكن الأهم من ذلك أنه يرتبط بفجوة التهرب الضريبي المهمّة التي يعاني منها لبنان. في الواقع، يقدّر حجم التهرب الضريبي في لبنان بحوالي 5 مليارات دولار في العام 2017 أي ما يوازي 10% من الناتج المحلي الإجمالي. وهذا التهرب الموازي للعجز المالي العام في لبنان متأتي بشكل خاص عن التهرب من عدد من الضرائب، منها ضريبة الدخل والضريبة على القيمة المضافة وإيرادات مؤسسة كهرباء لبنان والرسوم العقارية والجمركية.
يتأتى أكبر مصدر للتهرب الضريبي في لبنان عن ضرائب الدخل التي تقدر بحوالي ملياري دولار، أي ما يعادل 3.9% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي تتأتى بشكل رئيسي عن التهرب الضريبي على الأجور والأرباح. تجدر الإشارة إلى أن تقديرات التهرب الضريبي على الأجور تستند إلى إجمالي الأجور التي تشكل ما نسبته 35٪ من الناتج المحلي الإجمالي وبمتوسط معدل ضريبة بحدود 10٪، مما يترتب على ذلك ضرائب ممكن تحصيلها على الأجور تناهز 1.5 مليار دولار، في حين يصل التحصيل الفعلي إلى 0.6 مليار دولار فقط، مما يعني أن التهرب الضريبي على الأجور يناهز 0.9 مليار. وفيما يتعلق بالضرائب على الأرباح التي تمثل ما نسبته 30٪ من الناتج المحلي الإجمالي، يقدر التهرب الضريبي هنا بمليار دولار، وذلك بعد استثناء الضريبة التي سدّدتها المصارف على أرباحها من عمليات الهندسات المالية والتي تقدر بنحو 775 مليون دولار.
المصدر الثاني للتهرب الضريبي يرتبط بالضريبة على القيمة المضافة التي تقدر بحوالي 3٪ من الناتج المحلي الإجمالي، أي ما يعادل 1.5 مليار دولار. وفيما المصدر الثالث للتهرب الضريبي يتعلق بالرسوم الجمركية، المصدر الرابع للتهرب الضريبي يرتبط بفواتير الكهرباء غير المسددة والسرقة من خلال تعليق الكهرباء غير الشرعي. والمصدر الخامس للتهرب الضريبي فهو يتعلق بالضرائب على الأملاك العقارية، وهي مرتبطة بتخفيض قيمة الأملاك في السجلات العقارية.
أخيراً، وعلى أساس تقديرات التهرب الضريبي على جميع الفئات الأخرى بنسبة 5٪ من الناتج المحلي الإجمالي (أي 1.8 مليار دولار)، يمكن إضافة ما قدره 0.2 مليار دولار إلى تقديرات إجمالي التهرب الضريبي، أي ما يعادل 0.4٪ من الناتج المحلي الإجمالي، والتي تتأتى بشكل أساسي عن التهرب من الضرائب غير المباشرة، كفواتير الاتصالات السلكية واللاسلكية والرسوم الإدارية.