مسارعة خليجية أميركية لدعمه ومنع انزلاقه نحو المجهول
الأردن.. إحتجاجات ضد ضريبة صندوق النقد
موجة الاحتجاجات التي شهدها الأردن في حزيران الماضي، تمثل في واقع الأمر حلقة أخرى من سلسلة الاحتجاجات على الأوضاع الاقتصادية التي ضربت المملكة منذ بداية العام الجاري، إلا أن عمق الحركة الاحتجاجية واتساع نطاقها هذه المرة كان أمراً لافتاً بشكل خاص، ما دفع السعودية إلى المساعدة في التأكيد أن مساعدة الأردن تخدم المصالح الاستراتيجية السياسية والأمنية والاقتصادية لدول الخليج في تأمين استقرار المنطقة ومنع انزلاق الأردن نحو المزيد من الاضطرابات المدمرة.
ويبدو أن استقرار الأردن هامٌ جداً لدولِ الخليج، تلك معادلةٌ لا يمكنُ الشك فيها، أو الاستغناء عنها، وبالتالي يبدو أن العواصمَ الخليجية شعرتْ بصعوبةِ الموقفِ الأردني وأدركتْ أن تركَه وحيداً مع أزمتِه لن يفيدَ أمنَهم الحيوي.
*********
حتى نفهم خلفيات وتطورات أزمة الاحتجاجات في الأردن على تقديم مشروع قانون ضريبة الدخل إلى البرلمان، والتي توسعت في الجغرافيا الأردنية وتعمقت سياسيا بين النقابات المهنية الداعية إلى الإضراب والحكومة، والتفاعل الشعبي الواسع مع الإضراب والاحتجاج.
ولكن ما طبيعة القانون الذي فجّر الاحتجاجات ومن يقف وراءه؟
تقوم خطط الإصلاح المالي للحكومة الأردنية - استجابة لتوجيهات صندوق النقد الدولي - على تحصيل إيرادات ضريبية بقيمة 1.5 مليار دينار (ملياري دولار) خلال 2017-2019 من جيوب الأردنيين.
الضرائب المفروضة
وكان رئيس الوزراء الأردني هاني الملقي المستقيل قد أشار إلى إنجاز 70% من البرنامج الإصلاحي، وأنه في حال إقرار القانون المعدل نكون قد أنهينا البرنامج تمهيدا للعبور إلى بر الأمان منتصف العام المقبل.
ويقضي القانون المعدل بفرض ضريبة بنسبة 5% على كل من يتجاوز دخله عتبة ثمانية آلاف دينار للفرد (11.2 ألف دولار) أو 16 ألف دينار للعائلة (22.5 ألف دولار)، والتي تتصاعد بشكل تدريجي حتى تصل إلى 25% مع تصاعد شرائح الدخل.
كما يزيد مشروع القانون الضرائب المفروضة على شركات التعدين والبنوك والشركات الماليّة وشركات التأمين والاتصالات والكهرباء بنسب تتراوح بين 20% و40%. وتُقدر الحكومة أن توفر هذه التعديلات على مشروع القانون لخزينة الدولة قرابة 100 مليون دينار (141 مليون دولار).
أوساط اقتصادية تحدثت عن جانب آخر للأزمة في الأردن، يتعلق بما يرى هؤلاء أنه "تخلي دول إقليمية عن دعم الأردن"، في إشارة لتوقف المساعدات السعودية والإماراتية التي كانت تصل لدعم الموازنة سنويا، وسط حديث بين النخب الأردنية عن ثمن سياسي مطلوب من الأردن في ملفات إقليمية تتعلق أساسا بـ"صفقة القرن" وموقف الأردن من القدس والقضية الفلسطينية.
لم تتأخر السعودية في الدعوة إلى عقد اجتماع رباعي بمشاركة الأردن والإمارات والكويت في مكة لبحث الأزمة الاقتصادية الأردنية، التي دفعت إلى ذلك الحراك الذي مثل قطاعاً حقيقياً من المجتمع الأردني رفع فيها المشاركون في الاحتجاجات شعارات مناهضة للإجراءات الاقتصادية الجديدة التي كان من المزمع اتخاذها، بينما حمل المتظاهرون العلم الأردني، ولم يُرفَع أي شعار يخص حزبا أو تيارا بعينه.
صحيح أن القوى اليسارية والقومية والإسلامية في الأردن هي من معارضي خطط صندوق النقد الدولي منذ التسعينيات. كما رفضت سياسات التحول الهيكلي في الاقتصاد الأردني وخصخصة بعض الشركات والمؤسسات التابعة للدولة.. لكن الوضع هذه المرة مختلف بشكل كبير.. فعلى عكس العديد من موجات الاحتجاج السابقة، لم تؤد تلك القوى دورا مهما في تلك الاحتجاجات.
ولكن في المقابل من المهم الإشارة إلى أن هذه الموجة من الاحتجاجات دفعت الولايات المتحدة و"إسرائيل" إلى الاستنجاد بالدول الخليجية لانتشال الأردن قبل أن يسقط في دوامة العنف إذا استمرت بالزخم ذاته ما سيكشف الحدود الفلسطينية أمام الأحزاب التي تستنهض جمهورها ضد اتفاق "عربة" بين الأردن والكيان الصهيوني.
في الوقت الراهن، الأزمة الاقتصادية في الأردن شديدة التأثير، والديون الوطنية تكاد تماثل الناتج المحلي الإجمالي.. أما العاصمة "عمان" فتصنف كواحدة من أغلي المدن في المنطقة برمتها، على الرغم من حقيقة أن الأردن ليس دولة نفطية ثرية. وهذا يجعل الحياة اليومية لمعظم الأردنيين صراعا حقيقيا.. من هنا نفهم لماذا اتسع نطاق هذه الاحتجاجات مع عدم حزبيتها، وتركيزها على البعد الاقتصادي، بحيث يمكن القول إنها بمثابة "انتفاضة اقتصادية" مائة في المائة وليست شيئا آخر.
الموازنة الأردنية
وبلغة الأرقام، تتألف الموازنة الأردنية التي تم إقرارها في 18 يناير الماضي من جزْأين. بلغت قيمة "الموازنة العامة" الأساسية للعام 2018، 9.02 مليارات دينار أردني (12.7 مليار دولار أميركي)، يتم تمويلها بواسطة إيرادات داخلية ومساعدات خارجية تبلغ قيمتها 8.50 مليارات دينار، أي هناك عجزٌ قدره 523 مليون دينار.
صحيح أن الأردن تلقي خلال العام 2017 تعويضات بقيمة 1.78 مليار دولار لاستضافته لاجئين سوريين على أراضيه، لكن في المقابل إن التأثيرات الاقتصادية الخارجية على الأردن الناجمة عن عدم الاستقرار كبيرة بالفعل.. فالقطاع السياحي يتعافى ببطء شديد من الانهيار الذي شهده بعد العام 2011. والأردن خسر حوالى 7 مليون سائح بسبب "الربيع العربي".
وبالمثل لم تظهر أي مؤشرات علي تعاف حقيقي على صعيد التجارة مع سوري’ والعراق التي شهدت أيضاً تدهوراً كبيرا. فقد تسبّب الانهيار الأمني خلال العام 2014 في تراجع بمعدّل الثلثَين تقريباً في الصادرات الأردنية إلى العراق، من مليارَي دولار في العام 2014 إلى 695 مليون دولار في العام 2017.
وبما أن دول الخليج العربي عمدت إلى خفض مساعداتها إلى الأردن بعد العام 2011، فلم يعد أمام "عمان" سوى زيادة الاعتماد، بصورة مضطردة، على المساعدات الخارجية الأميركية. ومزيد من الارتهان لإملاءات صندوق النقد الدولي، والأخطر حاليا هو إجراء مزيد من التخفيضات في النفقات من طريق اعتماد إجراءات تقشفية، على غرار الإجراءات التي أثارت موجة الاحتجاجات الحالية.
صحيح أن الملك عبدالله حاول تهدئة التوترات، من خلال إقالة حكومة "هاني الملقى" مع تجميد القرارات الاقتصادية الأكثر استفزازا للشارع الأردني، لكن كل هذا يدخل ضمن الاستراتيجيات قصيرة المدى، ولن يؤدي إلى كبح موجات مقبلة من التضخم، ومن ثم موجات أخرى من الاحتجاجات. فإن الرافعة الحقيقية للأردهنا تتمثل في عودة الدعم الخليجي إلى مستوياته السابقة، إضافة إلى تنفيذ خطة الدعم التي وعد بها وزير الخارجية الأميركي السابق ريكس تيليرسون في فبراير الماضي بزيادة الدعم الأميركي المقدم إلى الأردن من مليار إلى 1.3 مليار دولار أمريكي. حيث يمثل هذا المبلغ 10% من إجمالي الموازنة السنوية للأردن. وهو ما سيؤدي إلى تحسن ملحوظ في الوضع الاقتصادي هناك، وعودة الهدوء والاستقرار مرة أخرى.
يبقى من المهم الإشارة إلى أن الفوضى في الأردن ليست خيارا إسرائيليا (في الوقت الراهن على الأقل).. صحيح أنه لم تعد هناك مصلحة إسرائيلية في وجود سلطة فلسطينية قوية في الضفة الغربية، بل ربما أعدت " تل أبيب" نفسها لسيناريو انهيار السلطة، لكن في المقابل الحسابات بالنسبة إلى الأردن هي بالتأكيد مختلفة تمامًا .