
أعلن رئيس جمعية مصارف لبنان الدكتور جوزف طربيه، في مؤتمر صحافي عقده في مقر الجمعية في الصيفي، ان عددا من المصارف تعرض لحملات مغرضة وتحديدا حول فروعها في العراق، مؤكدا ان القطاع المصرفي برهن عن مناعة في مواجهة التحديات ولن تهزه الاشاعات، داعيا اللبنانيين والعرب الى الثقة الكاملة بأداء القطاع المصرفي.
- أولاً: في استهداف القطاع المصرفي اللبناني:
تعرّض القطاع المصرفي اللبناني في الفترة الأخيرة لاستهداف خطير من أجل المسّ بسمعته ومناعته. وعلى الرغم من أن الحملة على القطاع لم تكن مبنيّة على حقائق أو وقائع ثابتة، إلاّ أن انتشار الشائعات في عالم التواصل السريع والفضاء الافتراضي له تأثيراته المضلّلة على شرائح كثيرة من عملاء مصارفنا، المقيمين وغير المقيمين، ويخلق جواً من الارتباك والحيرة ينعكس سلباً على حركتيّ الادّخار والاستثمار في البلاد. لذلك رأينا من الواجب أن نلبّي حاجة المواطنين والرأي العام الى معرفة الحقائق والاطّلاع على المعلومات الموثوقة والمطَمئِنة.
قال طربيه تعرّض مؤخّراً عدد من المصارف اللبنانية لحملات افتراء واضحة استُخدمت فيها بعض وسائل الإعلام، وفي معظم الأحيان وسائل التواصل الاجتماعي، وركّزت على أداء فروع المصارف العاملة في دولة العراق الشقيقة، فأحدثت نوعاً من البلبلة في نفوس المواطنين. غير أن الجهود المشتركة التي قامت بها الأجهزة الأمنية المختصّة في لبنان والعراق، أدّت إلى الكشف عن شبكة من مرتكبي أعمال الاحتيال ومروّجي الأخبار الكاذبة والملفّقة بهدف الابتزاز والنيل من سمعة قطاعنا المصرفي الذي أثبت ولا يزال، تقيّده التام بأصول ومتطلّبات العمل المصرفي السليم والتزامه الكامل والمطلق بقواعد ومعايير الشفافية والإدارة الرشيدة ومكافحة تبييض الأموال وأعمال الإرهاب ومختلف أنواع الجرائم المالية.
- في القروض المصرفيّة والسكنيّة:
يحتّل التسليف السكني موقعاً مركزياً في الحياة الاقتصادية والاجتماعية. وهو من مقوّمات الاستقرار ويلقى الدعم والتشجيع في مختلف الدول لما يشكّله المسكن من حاجة جوهريّة لكل مواطن. ومعلوم أن السياسة الإسكانية تندرج مبدئياً ضمن مهام السلطتين التنفيذية والتشريعيّة. وتُرجمت هذه السياسة بصيغ متعدّدة ومتنوّعة من القروض المصرفية المدعومة، علماً أنه يمكن تصنيف القروض المدعومة عموماً بثلاث فئات هي:
1- القروض المدعومة الفوائد، إلى القطاعات المنتجة والتي بلغت قيمتها منذ العام 1997 ما يزيد عن 7,3 مليار دولار حتى نهاية العام 2017 واستفادت منها ألوف المؤسّسات اللبنانية، وتوزّعت بوجه خاص على قطاع الصناعة بنسبة 59% والسياحة بنسبة 30% والقطاع الزراعي بنسبة11%، وهي تشمل القروض المدعومة الفوائد وكذلك تلك الحائزة على ضمانة شركة "كفالات"، ويستفيد بعضها من خفوضات في مجال الاحتياطي الإلزامي.
2-القروض غير المدعومة الفوائد والتي تستفيد من تخفيض إمّا من صلب الاحتياطي الإلزامي أو من الالتزامات الخاضعة للاحتياطي الإلزامي، وقاربت قيمتها 7,9 مليار دولار. لكنّ العمل بهذه الآلية توقّف في تشرين الأول 2017 بموجب التعميم الوسيط رقم 475 الصادر عن مصرف لبنان.
3- القروض غير المدعومة الفوائد، والتي لا تستفيد من خفوضات في مجال الاحتياطي الإلزامي، وهي التي تُعرف بالرزم التحفيزية التي أطلقها مصرف لبنان في العام 2013. وقد بلغت قيمة هذه القروض حتى نهاية العام 2017 حوالي 5,2 مليارات دولار. مع الإشارة إلى تغيّر آلية الحوافز التي يوفّرها مصرف لبنان للمصارف بحيث أصبحت تقضي بأن يدعم مصرف لبنان الفوائد وأن تمنح المصارف القروض من مواردها الخاصة، وذلك منذ أوائل العام 2018.
ومن المقدّر أن تكون القروض السكنية المدعومة وفق الصيغتين 2 و3 أعلاه، سواء من خلال الاحتياطي الإلزامي أو من خلال الرزم التحفيزية، قد ناهزت الـ 9,5 مليارات دولار (أي حوالي 75% من القروض السكنية الإجمالية) في نهاية العام الفائت.
إن التسليف الذي تقدّمه المصارف لا ينحصر بالطبع في التسليف السكني، والتسليف الاجتماعي، بل تلعب المصارف دوراً هاماً في تمويل الاقتصاد كلّه، ومنه القطاع العقاري، حيث ارتبط الازدهار في لبنان غالباً بازدهار التوظيف العقاري ومشاريع البناء بكلّ الأحجام والأنواع. وقد أتى التسليف الإسكاني بغالبيته لمصلحة ذوي الدخل المحدود حيث استفاد منه الألوف من أبناء هذه الفئات الاجتماعية، ووصل مجموع المواطنين اللبنانيين الذين استفادوا من هذه القروض السكنية بمختلف صيغها حوالي 131000 مواطن (مئة وواحد وثلاثون ألفاً) توافرت لهم شروط الاستقرار الاجتماعي والأُسري اللائق، وباتوا من الملاّكين العقاريّين.
واستناداً إلى كل ما أوردناه أعلاه، يتبيّن أن آلاف المؤسّسات في القطاعات المنتجة وآلاف الأُسَر اللبنانية استفادت من القروض المدعومة. فنرجو أن يُعرف ذلك وأن يُقدَّر هذا الإنجاز من جميع اللبنانيين.
يبقى أن إيجاد آليات جديدة لتفعيل الإقراض السكني هو أولاً رهن السياسة الإسكانية التي من المرتقب أن تضعها الحكومة المقبلة، والمصارف على أتمّ الإستعداد، كعادتها، لتأدية دور ناشط وفعّال من أجل إنجاح هذه السياسة. ثمّ أن حاكم مصرف لبنان أكّد مؤخّراً أن "الأيام المقبلة ستحمل المزيد من الرزم المالية لدعم القروض، ولا سيما السكنية منها، ولكن يبقى حجم هذا الدعم والأموال المخصّصة له تحت سقف عدم المسّ بالاستقرار النقدي".
من جهة أخرى، إن إجمالي قروض المصارف التجارية للقطاع الخاص، المقيم وغير المقيم، من دون احتساب محفظة الأوراق المالية، قارب 59,5 مليار دولار في نهاية أيار 2018.
إن لبنان بحاجة إلى ورشة تشريعية كبرى وورشة نهوض اقتصادي متمحورة حول برنامج الإنفاق الاستثماري المرفوع الى مؤتمر باريس الأخير(سيدر). ولا شكّ في أن إطلاق هاتين الورشتين، مع ما قد يحملهما من انعكاسات إيجابية على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية العامة، رهن تشكيل الحكومة العتيدة، التي نرجو ألاّ يطول انتظارها.