
نجح عام 2018 في فصله الاول في إرساء بوادر امل في نهوض أقتصادي محتمل مدفوعاً بنجاح مؤتمر "سيدر" المخصّص لدعم لبنان والذي استحصل على مايناهز 11,5 مليار دولارمن التعهدات الدولية لتمويل إعادة تأهيل البنى التحتية في البلاد، وإن لايزال ذلك خاضعا" للقدرة التنفيذية للإصلاحات التي ألتزمت بها الحكومة اللبنانية .
لا شك أن من شأن المؤتمرات الدولية الداعمة والتي يبدو أنها كانت ناجحة نسبياً أن ترسل اشارات إيجابية إلى مجتمع الاستثمار والاسواق وأن تساهم في تعزيز مقوّمات صمود لبنان المالي في المدى المنظور.إلا أن هذا يبقى غير كاف للانتقال من مرحلة النمو الأقتصادي الواهن الذي يشهده لبنان منذ سبع سنوات ونيف إلى مرحلة النمو الأقتصادي الذي طال انتظاره. إذ يتطلب ذلك إصلاحات هيكلية وبنيوية ومالية طال تأجيلها والتي من شأنها تمتين استقرار لبنان الأقتصادي خلال مرحلة ما بعد المؤتمرات الدولية. فصحيح أن الحكومة التزمت بأجندة اصلاحية طموحة في باريس لكن التحدّي يكمن في تنفيذ هذه الأجندة التي يمكن أن تواجهها عراقيل سياسية داخلية .
ويمكن إعتبار إن التحدي الأقتصادي الأبرز في يومنا هذا يكمن في الحد من حلقة النمو البطيء لاسيما في أعقاب نمو سنوي في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بمتوسط قدره 1,8 خلال السنوات السبع الأخيرة.
ما يطرح سؤال حول كيفية رفع نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي من مستواه الحالي إلى متوسط سنوي يقارب 5% في السنوات الخمس المقبلة للإنتقال إلى دورة إقتصادية أكثر فعالية وانتاجية؟
في هذا الإطار، عرض التقرير الفصلي لبنك عودة نموذج ماكرو_اقتصادي يدمج متطلبات القطاع الحقيقي مع متطلبات القطاع الخارجي ومتطلبات القطاع العام ومتطلبات القطاع النقدي ومتطلبات القطاع المصرفي للسنوات الخمس المقبلة .
تحفيز الإستثمارات
ورأى التقرير "إن التحدي المحوري في سبيل تحفيز النمو يكمن في تحفيز الإستثمارات الخاصة، مع الإشارة إلى أن الإستثمار له التأثير الأكبر على النمو الأقتصادي الكلي من خلال مفعول مضاعف الاستثمار بشكل عام . فلبنان بحاجة إلى رفع نسبة الاستثمارالخاص إلى الناتج الأجمالي المحلي الإجمالي من 20% في عام 2017 إلى ما لا يقل عن 33% في الأفق. بعدما كان قد بلغ 31% قبيل الأضطرابات الأقليمية ليولد بذلك متوسطاً سنوياً قدره 20 مليار دولارمن الإستثمار الخاص في غضون السنوات الخمس المقبلة. يتبع ذلك الحاجة إلى نمو سنوي في الإستهلاك الخاص بنسبة 7%مدفوعاً بنمط استهلاكي أفضل من قبل اللبنانيين المقيمين ومن توافد عدد أكبر من اللبنانيين غير المقيمين ومن التحسن النسبي للنشاط السياحي.
نمو الصادرات
واعتبر التقرير انه "على الصعيد الخارجي، المطلوب هو تأمين نمو سنوي في الصادرات بنسبة 15% بعد تراجع صافي في الصادرات على مدى السنوات السبع الماضية. فعقب ازدياد ملحوظ في العجز التجاري خلال السبع سنوات الماضية تعود معضلة الحساب الخارجي إلى الواجهة، والتي فاقمتها العجوزات المتتالية في ميزان المدفوعات بمقدار 9,6 مليار دولار خلال السنوات الست الماضية. من الضروري أتخاذ تدابير لتعزيز الإنتاج المحلي وتحفيز السلع الموجهة نحو التصدير والسلع البديلة للإستيراد للحد من العجز التجاري الذي يبلغ اليوم نسبة تناهز 31%من الناتج المحلي الاجمالي. في هذا السياق، من المهم تحسين وتوسيع نطاق البرامج القائمة لدعم الصادرت واستحداث برامج تحفيزية جديدة وحملات ترويجية تتوجه نحو القطاعات ذات القيمة المضافة العالية والتي تتمتع بنسب متدنية من الإستثمار إلى القيمة المضافة الناجمة عنه.
تحسين البنى التحتية
واشار التقرير الى ان "متطلبات النمو الاقتصادي المرتفع تقضي تأمين تحسن تدريجي للبنى التحتية الأساسية وذلك لملاقات متطلبات هكذا نمو. إذ يحتاج لبنان إلى معالجة الوهن الناشىء في البنى التحتية الأساسية، مع احتياجات لإستثمارات مهمة في قطاعات عدة مثل الطاقة و النقل والإتصالات والمواصلات والمياه. فالمطلوب أن تتضاعف نسبة الإنفاق الأستثماري إلى الناتج الأجمالي ما يقل عن 2% ليصل إلى أكثر من 4% في الأفق، وهي تبقى أقل من متوسط الأسواق الناشئة والبالغ 6%. إن التحدي الأساسي الذي تواجهه الحكومة قي هذا المجال يكمن في تأمين حاجات البنى التحتية الأساسية دون أن تأثر سلباً على وضعية المالية العامة في البلاد، ومن هنا يشكل نجاح ال CIP مفتاحاً أساسياً على هذا الصعيد.
المالية العامة
ووجد التقرير ان "أوضاع المالية العامة لا تزال تشكل عائقاً أمام النمو الأقتصادي طويل الأجل، فعلى الرغم من ان نسب المالية العامة لاتزال أقل من المستويات القياسية التاريخية، إلا انها تعتبر مرتفعة بالمقارنة مع المعايير العالمية، بحيث أن نسبة المديونية تصل إلى 150% اليوم وهي ثالث أعلى نسبة في العالم مع نسبة في العجز المالي العام تناهز8%من الناتج المحلي الأجمالي وهي بين العشر الأول في العالم . فالمطلوب هنا أن يقر مجلس النواب الموازنات العامة التي من شأنها أن تخفض النفقات الجارية في شبه غياب تضخم للأسعار بينما ترفع تدريجياً نسبة الإيرادات إلى الناتج المحلي الإجمالي من 19% إلى حوالي 23% في أفق 2020، علماً أن المستوى السائد قبيل الضطرابات الإقليمية كان يقارب 22%.
نمو الإقراض المصرفي
ولفت التقرير الى انه "على مستوى التمويل المصرفي إن تحقيق المتطلبات المذكورة سابقاً يتطلب حد أدنى من النمو في الاقراض المصرفي للقطاع العام بقيمة 2 مليار دولار سنوياً إضافة إلى نمو الإقراض المصرفي للقطاع الخاص بقيمة 5,5 ملياردولار سنوياً (خاصة الإقراض باليرة اللبنانية حتى تستعيد العملة المحلية دورها كآدات إقراض بعد أن أستعادت دورها كوسيلة للتبادل ووحدة حساب وعملة ادخار). إن تحقيق مثل هذه الأرقام على صعيد التمويل المصرفي يتطلب نمو في الودائع المصرفية بنسبة تناهز 6% سنوياً.من هنا فإن تحليل المجامع المقابلة للكتلة النقدية يشير إلى تحسين ميزان المدفوعات عقب ما يقارب نصف قرن من العجوزات الصافية وذلك لدعم نسب النمو المطلوبة على صعيد الودائع المصرفية مع ما يتطلب ذلك من زيادة سنوية في تدفقات الأموال الوافدة بنسبة لا تقل عن 14%سنويا".
المطلوب إجماع سياسي
وخلص التقرير الى ان "تحليل دقيق لمتطلبات القطاع الحقيقي والقطاع المالي يشير إلى أن تحقيق نمو قي الناتج المحلي الحقيقي بنسبة 5%سنوياً ممكن من الناحية التقنية في السنوات القادمة، غير أنه يتطلب إجماعاً سياسياً داخلياً وإطلاق عجلة الإصلاحات الهيكلية المرجوة لتحفيز الطلب على السلع والخدمات وتعزيز التنافسية للإقتصاد اللبناني إلى جانب تحسين عامل الثقة بشكل عام. واعتبر التقرير "إن تحقيق مثل هذا السيناريو إلى جانب الاصلاحات المرجوة من شأنه أن يحد من الاختلالات القائمة وعناصر الهشاشة في الإقتصاد اللبناني، ويعزز الإستقرار المالي والإقتصادي في البلاد ويؤمن الإنتقال السلس من حقبة الوهن الإقتصادي إلى حقبة التحسّن التدريجي في مستوى المعيشة بشكل عام.