الحوار الاجتماعي في بلد كلبنان يصبح أكثر من ضرورة بسبب الأزمات التي تتراكم فيه على المستويات الاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية. ومما لاشك فيه ان هذا الحوار هو وسيلة لتفادي النزاعات وليس هدفاً بحد ذاته، بل يراد منه تأمين الاستقرار والأمان الاجتماعي.
واذا انطلقنا،على سبيل المثال، من المجلس الاقتصادي والاجتماعي الذي يتمثل فيه، بالإضافة الى الدولة والعمال وأصحاب العمل، مروحة واسعة من ممثلي القوى الحية في المجتمع. وعلى الرغم من أنّ هذا المجلس بات هيئة دستورية منذ ما بعد اتفاق الطائف فقد جرى تعطيله لمدة تزيد عن خمسة عشر عاماً من دون أي مبرر.
ومع إعادة تشكيله من جديد يفترض أن تحال عليه جميع المشاريع الاقتصادية والاجتماعية الحيوية ومنها على سبيل المثال لا الحصر المشاريع التي طرحت في مؤتمر "سيدر" أو باريس (4) لأنّ هذه المشاريع لم تمر لا في مجلس الوزراء ولا في المجلس النيابي، بل جرى تجميعها عشوائياً، وليس من لا أحد يعلم حتى الآن الشروط التي فرضت على لبنان لمدّه بقروض وديون طويلة الأجل بمليارات الدولارات. لذلك، فإنّ مصداقية الحكومة (أي حكومة) على المحك اليوم تجاه التعاطي مع مفهوم الحوار الاجتماعي واحترام المؤسسات المعنية فيه.
مثال آخر في هذا المجال هو لجنة المؤشر المؤلفة من أطراف الإنتاج الثلاثة. ففي حين أنّ على هذه اللجنة أن تجتمع سنوياً لعرض مؤشر الأسعار وانعكاسه على نسبة غلاء المعيشة جرى تعطيل هذه اللجنة منذ العام 1996 حتى العام 2012 ثم من العام 2012 إلى اللحظة الراهنة في العام 2018. ويبقى على المجلس الاقتصادي والاجتماعي دراسة سياسات الأجور ومعدلها من الناتج الوطني وليس التدخل في تصحيحها. حيث أنّ الأجور خسرت منذ العام 1996 أكثر من 50% من قيمتها الفعلية وكانت تشكّل حوالي 50% من الناتج المحلي وانخفضت إلى أقلّ من 25% من هذا الناتج وذهب الفرق ارباحاً للنشاطات الريعية من مالية وعقارية ونهب وهدر وفساد وسرقة
كما أنه في موضوع التكافؤ في الحوار حول الأجور مثلاُ تنبري قيادات في الهيئات الاقتصادية بالإعلان عن عدم قبولها مطلقاً بتصحيح شطور الأجر والاكتفاء بالتعامل مع الحد الأدنى بزيادة هزيلة والتهديد بأنه إذا ما صحّحت الأجور سيلجأ بعض أصحاب العمل لتشغيل اليد العاملة الأجنبية الرخيصة على حساب العمال اللبنانيين.
في المنطق أي تهديد يستبق الحوار الاجتماعي يقضي على مضمون هذا الحوار وأهدافه، بل يشكّل عنفاً مسبقاً لا يولّد سوى عنف مقابل وهنا على الدولة أن تلعب الدور المناط بها، أي فرض تطبيق القوانين وليس شريكاً أو واجهة للقوى الاقتصادية المتحكّمة بالبلاد.