
لم يكن العام المنصرم عاماً عادياً بالنسبة إلى القطاع الصناعي، ففيه نال القطاع أخيراً حصة لا بأس بها من اهتمام المسؤولين الذين نأوا بأنفسهم عنه سنوات طوال.
وعود كثيرة تلقّاها القطاع من أعلى المستويات بضرورة النهوض به وحمايته، أعطت جرعات كبيرة من التفاؤل للصناعيين الذين ومع الأسف خابت آمالهم مع فشل ترجمة هذه الوعود إلى إجراءات عملية. كما فشلت هذه الوعود في تجنيب القطاع المزيد من النكسات التي تمثلت بتلقيه ضربات ضاعفت من حدة معاناته الناتجة من المنافسة غير الشرعية للمعامل السورية في لبنان، وتكبّد أعباء مالية جديدة رفعت من كلفة إنتاجه وخفّضت من قدراته التنافسية.
أين الوعود بدعم القطاع الصناعي؟ لماذا لم يترجم إعلان رئيس الحكومة سعد الحريري الصريح بنية الحكومة دعم القطاع عبر تصريحه أن أي شيء يقدم إلى مجلس الوزراء ستتم الموافقة عليه لحماية الصناعة، وأن "الحكومة وضعت أمامها أولوية حماية الصناعة الوطنية، والحد من المنافسة غير المتكافئة في الحدود التي تسمح بها التزاماتنا الدولية والاتفاقات التي وقعتها الدولة اللبنانية"؟
لا تلاقي هذه الأسئلة المستغربة أجوبة شافية لدى أمين المال في جمعية الصناعيين نزاريت صابونجيان الذي أعلن في حديث مع "الصناعة والإقتصاد" أن "جمعية الصناعيين لا تزال تواصل بذل الجهود لتأمين الدعم للقطاع الصناعي عبر تقديم ملفات إلى مجلس الوزراء".
وشدّد صابونجيان على "أنه في كل بلدان العالم توجد عدة قطاعات اقتصادية على قدر عالٍ من الأهمية كالقطاع التجاري والسياحي والعقاري والخدماتي، إلا أنه تبقى للقطاع الصناعي أهمية خاصة كونه يحمل إيجابيات كبيرة للاقتصاد، فهو القطاع الأكثر ثباتاً في أي بلد، وهو غير قادر على الانسحاب من النشاط الاقتصادي عند وقوع خضات أمنية أو سياسية، إذ إن ذلك يكلّف المستثمرين خسائر فادحة". وأكّد أن "القطاع الصناعي يساهم عبر رفع أرقام الصادرات في خفض عجز الميزان التجاري، ويساهم عبر تخفيض الواردات في بقاء الأموال داخل البلاد".
واستغرب صابونجيان "تناسي هذه الإيجابيات على الرغم من المعاناة التي يعيشها القطاع منذ سنوات طويلة، حيث أقفل عدد كبير من المؤسسات الصناعية بسبب المصانع غير الشرعية التي تتهرب من أي التزام بتسديد الضرائب أو أي مستحقات أخرى للدولة".
كلفة الإنتاج ترتفع .. والتحديات تتضاعف
وحمل عام 2017 ارتفاعاً في كلفة الإنتاج الصناعي التي لطالما اعتبرت مرتفعة مقارنة مع دول المنطقة، وأتى هذا الارتفاع نتيجة عوامل عدة أبرزها الارتفاع غير المبرّر لأسعار المواد الأولية، وزيادة كلفة الضمان الاجتماعي، والضرائب العشوائية التي رافقت إقرار سلسلة الرتب والرواتب. هذا وتقف المصانع عند استحقاق آخر قد يساهم في رفع كلفة الإنتاج بشكل أكبر يتمثل بتصحيح الأجور في القطاع الخاص.
ويضاف تحدي ارتفاع كلفة الإنتاج إلى مجموعة من الصعوبات عايشها القطاع على مر سنوات طويلة، وتتمثل بغياب الاستقرار الأمني، وغياب خطة رسمية واضحة لدى الدولة وتقصيرها، وتعقيد المعاملات الإدارية، وافتقار لبنان إلى خامات المواد الأولية وارتفاع كلفة المواد الأولية المستهلكة، وارتفاع كلفة الإنتاج وضعف الإنتاجية، وارتفاع كلفة الطاقة، وعدم توازن التوزيع الجغرافي للمؤسسات الصناعية، ومشكلة التمويل الصناعي، مشكلات اليد العاملة، الصعوبة في تصريف الإنتاج داخل السوق المحلية، ومنافسة غير متكافئة مع منتجات الدول المجاورة، وتحديات التصدير، وعدم تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل في ما يتعلق بالاتفاقيات التجارية مع الدول.
كيف نحمي الصناعة؟
حماية القطاع ودعم الصناعة الوطنية يستلزمان جهوداً جبارة على مستويات عدة تبدأ مع تأمين مناخ سياسي مستقر وتشجيع الصناعة من طريق إرساء سياسة حمائية، وتفعيل دور وزارة الصناعة عبر تبني تنفيذ سياسة تهدف إلى تنمية الصناعة الوطنية ودفع إنتاجيتها وتدني تكاليف الإنتاج، وسن تشريعات مشجعة وداعمة لدمج المؤسسات الصناعية، وتشجيع المشاريع المشتركة.
واعتبر صابونجيان أنه "رغم سعي الحكومة إلى تحسين الاقتصاد والنهوض به ووضع الخطط الكفيلة بذلك، يبقى نجاحها مرهوناً بوقف الفساد إذ إن وضع خطط اقتصادية وتطبيقها في ظل غياب المعالجات لن يأتي بنتيجة". ولفت إلى أنه "على صعيد القطاع الصناعي، يبقى المطلب الأول وقف التهريب". وشدّد على "أن الجمارك اللبنانية تبدي تجاوباً كبيراً مع مطالب الصناعيين، لكن وللأسف يبقى التهريب من الأمور التي تستعصي معالجتها بشكل جذري". وإذ أعلن أن "التهريب يتم اليوم عبر ثلاثة محاور هي المرفأ، المطار، والحدود البرية"، رأى أنه "إذا لم يتم إيقاف التهريب سيكون القطاع أمام مشكلة مستعصية. فصحيح أنه ليس كل ما يهرّب ينتج في لبنان، لكن كل ما ينتج في لبنان يهرّب".
مطالب الصناعيين
وكانت للصناعيين عدة مطالب وأبرزها مكافحة الإغراق ومعالجة الملفات المقدمة إلى المسؤولين وعددها 22، منع التهريب أكان عبر المنافذ الشرعية أو عبر الحدود، معالجة ومكافحة المؤسسات غير الشرعية المنتشرة على الأراضي اللبناني كافة والتي تهدّد استمرارية المصانع، تحفيز الصادرات الصناعية اللبنانية عبر إقرار الحكومة لدعم التصدير وخصوصاً أن توقف التصدير برا عبر سورية أتى لأسباب قاهرة وارتدّ سلبا على الصادرات الصناعية، الطلب إلى الحكومة العراقية إعطاء الأفضلية للاستيراد من لبنان على غرار ما أقرته للأردن، معالجة أكلاف الطاقة المكثفة عبر إنشاء صندوق لدعم الصناعات التي تستخدم الطاقة المكثفة، ودعم وتمويل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم.
وفي حين أكد صابونجيان مطالب الصناعيين هذه، رفض أي حديث يتناول عدم إمكانية لبنان للتحول إلى قطاع صناعي، فهناك بلدان صغيرة متعدّدة لا تمتلك ثروات طبيعية، وهي من أولى البلدان في العالم بالنسبة إلى مستويات الدخل، وذلك بفضل نمو وازدهار القطاع الصناعي فيها".
وفي رد على سؤال حول قدرة وزير الصناعة حسين الحاج حسن على إقناع الحكومة بتبني مطالب الصناعيين، قال: "الوزير الحاج حسن من أكثر الوزراء إيماناً بالقطاع الصناعي، ويبذل جهوداً جبارة في سبيل النهوض بالقطاع، لكن بمفرده لا يستطيع تحقيق إنجازات تنقل القطاع إلى مكانٍ آخر". وأمل أن "يشهد لبنان في عهد رئيس الجمهورية ميشال عون تطورات إيجابية، كونه بطبيعته بعيداُ عن الفساد ويحب لبنان أكثر من نفسه".