
على مر السنوات الأخيرة، أرخت تداعيات الاضطرابات في لبنان والمنطقة ثقلها على القطاع التجاري، الذي اضحى يعاني من وهنٍ غير مسبوق اشبه بمرضٍ عضال من الصعب اجتراح اعراضه، رغم المحاولات المستمرة والمتمثلة بإزدحام الاسواق بالمحال التجارية المعلنة عن حسومات وتنزيلات بغية تحريك الركود الذي تعايشه عاماً بعد عام دون جدوى، فصرخة القطاع تتوارثها السنوات منذ عام 2011، وتتراكم الخسائر معها دون الإهتداء الى آلية ما توقف النزف المتواصل.
وتكمن خطورة تراجع القطاع التجاري في الأهمية التي يحتلها على صعيد الاقتصاد الوطني، اذ ينتج 30 % من الدخل الوطني ويؤمن فرص عمل بشكل كبير لا سيما في ظل اتسام الاقتصاد بالطابع الخدماتي.
تراجع مؤشر PMI
وتدهورت الأوضاع التجارية على مستوى القطاع الخاص اللبناني في نهاية الربع الأول من العام 2018. فقد اشار تقرير صادر عن بلوم بنك الى ان " شهر آذار شهد تراجع مؤشر PMI بلوم لبنان الرئيسي بشكل أسرع حيث سجل 46.5 نقطة، منخفضًا بذلك عن مستوى شهر شباط والذي كان الأعلى في عشرة أشهر وهو 47.3 نقطة. وكان المتوسط الربع سنوي أعلى بقليل مما شهدته الأشهر الثلاثة الأخيرة من 2017.
وجاءت النتائج الرئيسية لاستبيان شهر آذار كما يلي:
- انخفض مستوى النشاط التجاري في اقتصاد القطاع الخاص بأسرع معدل في ثلاثة أشهر خلال شهر آذار. وجاء تراجع الإنتاج بسبب انخفاض حاد ومتسارع في الأعمال الجديدة الواردة، الأمر الذي كشفت الدراسة عن أنه ناتج عن ضعف الطلب المحلي وتراجع طلبيات التصدير الجديدة.
- أدى نقص الأعمال الجديدة الواردة التي تحل محل المشروعات المكتملة الى استمرار انخفاض مستوى الأعمال غير المنجزة على مستوى القطاع الخاص. علاوة على ذلك، وفي ظل عمل الشركات بأقل من قدرتها الاستيعابية الكاملة، كان هناك تراجع جديد في مستوى التوظيف بعد تحسن قصير الأمد في منتصف الربع الأول من العام.
- كما قامت الشركات بتقليص نشاطها الشرائي في شهر آذار، لتمتد بذلك سلسلة تراجع مستويات الشراء الحالية إلى 26 شهرًا. كما شهد مخزون المشتريات ارتفاعًا بأسرع وتيرة في عامين.
- وتماشيًا مع تراجعات الإنتاج والطلبيات الجديدة والتوظيف، فقد أشارت البيانات الأخيرة إلى تجدد ثقة الشركات في مستقبل الاقتصاد على مدى الـ 12 شهرًا المقبلة. وكانت التوقعات هي الأكثر سلبية منذ شهر تموز العام الماضي، وتوقع عدد كبير من الشركات المشاركة في الاستبيان أن تستمر التحديات الجديدة.
- أما على صعيد الأسعار، فقد شهد شهر آذار انخفاضًا في متوسط أسعار السلع والخدمات للمرة الأولى في ثلاثة أشهر. وكان معدل التراجع متواضعًا فقط، لكنه كان أسرع معدل مسجل منذ شهر آذار 2017.
- استمر تباطؤ ضغوط التكلفة التي تواجهها الشركات من المستوى المرتفع التي سجلته في بداية العام. وارتفع متوسط أسعار المشتريات بشكل طفيف فقط وبأبطأ معدل في ثلاثة أشهر، في حين شهدت تكاليف التوظيف ركودًا بعد ارتفاعها بشكل طفيف في شهر شباط.

معاناة مستمرة
ويعاني القطاع التجاري من ارتفاع التكاليف التشغيلية، وعدم اخذ الدولة بعين الاعتبار ضرورة خفض الأعباء الضريبية عن المؤسسات، وكذلك انخفاض الطلب والحركة بشكل غير مسبوق، ما يضع آلاف المؤسسات التجارية الصغيرة والمتوسطة الحجم في مهب الإفلاس والإقفال.
وكان القطاع التجاري قد سلك المنحى الانحداري منذ بدء الاضطرابات في سورية، اذ ادّت هذه الاضطرابات إلى تراجع عدد السياح القادمين إلى لبنان.
ويؤكد المعنيون ان "غياب السياح ولا سيما الخليجيين الذين يتمتعون بقدرات شرائية عالية والملاءة المطلوبة للمساهمة في النشاط الإقتصادي اللبناني وذلك بسبب التحذيرات المستمرة لهم من قبل دولهم بعدم القدوم إلى لبنان. وكشف أن "مساهمة السياح الخليجيين والعرب في الدورة الاقتصادية ولا سيما التجارية بلغ في عامي الذروة 2009 و2010 بلغت 25%".
كما حملت العمالة السورية التي أصبحت منتشرة في كل لبنان تداعيات سلبية على القطاع، كونها أثّرت في القوى العاملة اللبنانية بشكل مباشر عبر حلولها مكان مئات الألوف من العمال اللبنانيين في سوق العمل، حيث انعكس هذا الأمر بشكل مباشر على عملية الاستهلاك التي تشكل ركيزة الاقتصاد اللبناني كونها تمثل 75% من الناتج القائم".
وتكشف مصادر انه "رافق دخول العمالة السورية إلى سوق العمل دخول مؤسسات وشركات غير شرعية إلى السوق اللبنانية، وهذا الأمر أصاب القطاع التجاري في الصميم. فالمؤسسات السورية تعمل بشكل غير شرعي ولا تتكبّد تكاليف مرتبطة بالضرائب والالتزامات تجاه الدولة، وهذا طبعاً سمح لها بمنافسة المؤسسات اللبنانية ".
المطلوب مراجعة دقيقة
لا شك انه من المؤسف ان الغمامة السوداء لم تنقشع بعد عن سماء لبنان، على الرغم من الجهود التي يبذلها فخامة رئيس الجمهورية ميشال عون والإنجازات المتراكمة للحكومة على الصعيد الإقتصادي".
ولعلّ التراجع المستمر للقطاعات الإقتصادية يتطلّب اجراء مراجعة دقيقة للشؤون الإقتصادية لأن الإستمرار في طريقة التعاطي مع القضايا الحساسة التي اعتاد عليها المسؤولون ستؤدي حتماً لإدخال الإقتصاد الوطني في المجهول. فالتراجع المستمر الذي يؤدي الى ارتفاع دراماتيكي لمعدلات البطالة ويهدد بكوارث إجتماعية تتمثّل بإرتفاع اضافي للمواطنين القابعين بين براثن الفقر يطلق إنذار خطر بإيجاد حلول جذرية تنتشل القطاعات الإقتصادية من مربع الخطر الذي تقبع فيه.