الفقر لم ينحسر في الأرياف.. والتفاوتات لا تزال قائمة؟
كرة اللهب الاقتصادي في المغرب تتدحرج!
أظهرت بيانات رسمية أن عدد الفقراء في مراكش يبلغ 2.8 مليون، منهم 2.4 مليون في الريف وأربعمئة ألف في المدن. وبحسب المندوب السامي للتخطيط أحمد الحليمي في ندوة صحفية لتقديم دراسة بشأن خريطة الفقر في المغرب فإن "معدل الفقر يصل إلى 8.2% على المستوى الوطني، ويصل عدد المواطنين الذين يعانون من وطأته إلى 2.8 مليون نسمة". وأضاف أن معدل الفقر في الريف يبلغ 17.7%، في حين يبلغ في المدن 2.0%. وقال الحليمي إن الفقر في المغرب "يبقى ظاهرة قروية بامتياز".
ولكن هل فعلاً أن الفقر هو ظاهرة قروية؟
تتعدد الآراء حول أسباب الحراك الشبابي والشعبي التي تنطلق من الريف المغربي، فهناك من يعيدها إلى أسباب اقتصادية ناجمة عن البطالة، واستفحال الفساد، ونهب المال العام، وهناك من يجادل بأن التهميش السياسي والاجتماعي لأبناء الريف المغربي، والفئات المسحوقة عموما، هو النار التي تشتعل تحت الرماد، ولا يمكن إغفال رأي ثالث أيضا، يتحدث عن تدخلات خارجية من جماعات ذات طابع عنصري عرقي مناطقي، تستغلّ هذا الحراك لتفتيت المغرب وإغراقه في بحر من الدماء مثل سورية والعراق واليمن وليبيا، ولكن وأيا كانت الآراء والاجتهادات فإن هؤلاء جميعا هم أبناء المغرب.
التظاهرات ذات الطابع السلمي التي انطلقت في منطقة الريف أكدت طوال الوقت أنها ذات طابع محلي صرف، وأنها مع الوحدة الترابية المغربية، وتتمسك بالدستور، وتعارض الانفصال القائم على منطلقات عرقية، ورفعت العلم المغربي الموحد، وأن جميع مطالبها الشعبية المشروعة تتمحور حول العدالة الاجتماعية، وتوفير المساواة في التنمية وتوزيع الثروة.
كرة اللهب في المغرب تزداد تضخماً يوما بعد يوم بعد تظاهرات جرادة وقبلها تظاهرات الحسيمة، وهناك من أعداء المغرب من يريد أن يصبّ المزيد من الزيت فوقها حتى تزداد اشتعالا وتصل إلى حال يصعب السيطرة عليها أو إطفاء لهيبها.
المنعطف الذي يمرّ به المغرب وعر وخطير، وهو الأمر الذي يتطلب وقوف كل المحبين إلى جانبه خاصة الدول العربية النفطية التي تنفق مئات المليارات من الدولارات على صفقات أسلحة أو لدعم البنى التحتية ومشاريعها في أميركا، ولتذكير هذه الدول بأن المغرب هو حليفها ووقف دائما إلى جانبها، وهو أولى بملياراتها من الاميركان والأوروبيين.
وفي 1927، اكتشف المحتل الفرنسي الفحم الحجري في جرادة، وسارع إلى إنجاز التجهيزات الضرورية في المدينة لبدء استغلال ثروات الفحم الذي تزخر به هذه المدينة، وهو من نوع "الأنتراسيت" ويعد من أجود أنواع الفحم الحجري في العالم.
ومع مرور الأعوام، بدأت طبقة اليد العاملة تتسع، وكبرت المدينة، حيث شكلت مناجم جرادة فرصة للعمل بالنسبة إلى عشرات آلاف العمال من مختلف مناطق المغرب.
لكن كل شيء تغيّر مع قرار الحكومة المغربية إغلاق تلك المناجم عام 2001، بسبب ارتفاع تكلفة الإنتاج، وتعهّدت بتوفير بدائل اقتصادية لسكان المدينة، لكن السكان يؤكدون أن شيئا من ذلك لم يحدث، علما أن المناجم كانت العمود الفقري لاقتصاد المدينة، ومع انهياره انهار كل شيء.
وتعيش جرادة على وقع احتجاجات متقطعة، منذ 22 ديسمبر/ كانون أول 2017، عقب مصرع شابين شقيقين، ثم مصرع شخص ثالث، في مناجم عشوائية للفحم الحجري، واستمرت غداة تنظيم الحكومة اجتماعاً تفاوضياً في هذه المدينة الواقعة شمال شرق البلاد.
وكان قد احتشد جمع من المتظاهرين في ساحة جرادة المركزية في الوقت الذي كان فيه وزير الفلاحة "عزيز اخنوش" يجتمع في المدينة بالمسؤولين المحليين وآخرين نقابيين وبوفد من المتظاهرين الشباب.
وعرض الوزير مشاريع وآفاقاً واعدة كحصيلة للمشاريع الفلاحية الحالية في المنطقة. لكن ذلك لم يقنع المحتجين الذين عبّروا عن عدم رضاهم عن المحادثات.
وكانت السلطات المغربية قد أعلنت عن خطة طارئة للاستجابة إلى مطالب سكان جرادة ، المدينة المنجمية سابقاً والتي كانت قد شهدت احتجاجات اجتماعية نهاية 2017.
وتهدف الخطة الرسمية “للاستجابة للانتظارات العاجلة لسكان إقليم جرادة” وتشمل فاتورتي الماء والكهرباء وإحداث فرص عمل ومراقبة استغلال مناجم الفحم المتهالكة وتدهور البيئة وتعزيز خدمات الصحة.
وكان قد تم إرسال وفد وزاري إلى المدينة بداية كانون الثاني/يناير 2018 لتهدئة التوتر لكن من دون التوصل إلى إقناع المحتجّين الذين واصلوا المطالبة بـ”مشاريع تنمية ملموسة” ونظّموا عدداً من المسيرات.
وفي المغرب، ساعد النمو الاقتصادي على مدى الخمسة عشر عاماً الماضية في نزول معدل الفقر الكلي من 8.9% بين السكان البالغ عددهم 34.4 مليون نسمة في عام 2007 إلى 4.2% في 2014. لكن على الرغم من أن معدل الفقراء والذين يعيشون على أقل من 1.9 دولار يومياً لعام 2011 إنخفض نسبيا إذ بلغ 3.1% فإن ما نسبته 15.5٪ من الأشحاص يعيشون على 3.1 $ دولار أميركي لا يزال مرتفعا. وقرابة 19% من سكان الريف الذين يعتمدون على الزراعة في المغرب مازالوا يعيشون في فقر أو معرّضون للسقوط في براثنه. ويُعتقد أن معدلات الفقر هذه من غير المحتمل أن تتغيَّر مادام النمو الاقتصادي ضعيفاً، وما بقيت التفاوتات الاقتصادية داخل البلاد، حيث تتسم بعض المناطق بأنها أقل نموا من المناطق الأخرى وكما هي الحال في بقية أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فإن معدل البطالة الكلي في المغرب مرتفع، إذ يبلغ 9%، وأعلى بدرجة ملحوظة بين الشباب في المناطق الحضرية 38.8% في يونيو/حزيران 2016. وقد يتوقف نجاح الإستراتيجية الوطنية لخلق 200 ألف وظيفة سنوياً على تنفيذ إصلاحات لجعل سوق العمل مواتية لمتطلبات القطاع الخاص بدرجة أكبر وتهدف الإستراتيجية الجديدة إلى خفض معدل البطالة الكلية في المغرب إلى 3.9% في غضون عشرة أعوام.
كادر
جرادة مدينة مغربية اشتهرت بمناجم الفحم الحجري، ويبلغ عدد سكانها نحو 43 ألفا، وعند إيقاف العمل بالمناجم انهار اقتصادها فحاولت الحكومة إيجاد بدائل، لكن السكان يؤكدون استمرار الأزمة، ما تسبّب في اندلاع احتجاجات بارزة في 2018.
1- الموقع
تقع مدينة جرادة شرق المغرب بالقرب من الحدود مع الجزائر، وتبعد عن محافظة وجدة - التي توصف بعاصمة الشرق- بنحو ستين كيلومترا.
2- السكان
بحسب الإحصاء الرسمي لعام 2014، يبلغ عدد سكان إقليم (محافظة) جرادة نحو 108 آلاف، في حين وصل عدد سكان المدينة نفسها إلى 43490.
3- المناخ
تقع جرادة في منطقة يغلب عليها الطابع الجبلي، وذلك ما يجعل مناخها يتميز بالبرودة الشديدة شتاء، والحرارة المرتفعة صيفا، مع عدم انتظام سقوط الأمطار.
4- الاقتصاد
قبل اكتشاف الفحم الحجري، اعتمدت القبائل القاطنة في منطقة جرادة على النشاط الرعوي، وبسبب عدم انتظام سقوط الأمطار، وضعف التربة، لم تعتمد تلك القبائل على النشاط الفلاحي، وكانت مضطرة إلى الرحيل بحثا عن الكلأ للثروة الحيوانية.