عام 2050 ستحتاج إلى 21 مليار متر مكعب فوق حصّتها
سد النهضة.. خشية مصرية من انخفاضه
هل سيتم تغيير العبارة الشهيرة للمؤرخ اليوناني هيرودوت أن "مصر هبة النيل"، تساؤل طرحه مدونون وناشطون مصريون على مواقع التواصل الإجتماعي بعد أن أعلنت الحكومة الإثيوبية بدء تحويل مجرى النيل الأزرق أحد روافد نهر النيل تمهيدا لبناء سد "النهضة" الإثيوبي.
وأثار هذا الإعلان ردود فعل غاضبة في مصر وصل بعضها إلى التساؤل عن إمكانية تنفيذ عملية عسكرية ضد إثيوبيا لمنع بناء السد لكن محمد نصر الدين علام، وزير الموارد المائية والري الأسبق استبعد هذا الخيار مؤكدا أن النزاع حول ملف "مياه النيل" لايمكن حله سوى بالطريق السلمية والمفاوضات.
والنيل الأزرق هو أحد فرعي نهر النيل وهو الذي يمد مصر بنحو 60 في المئة من حصتها السنوية من مياه النيل التي تبلغ 55 مليار مليمتر مكعب سنويا.
أرتبط وجود مصر منذ القدم بالنيل الذي يمدّها بشريط طويل من التربة الخصبة الممتدة عبر الصحراء.
وتخشى مصر من تأثير مشروع سد النهضة الإثيوبي على إمداداتها من المياه الأمر الذي قد يؤدي موت جزء من أراضيها الزراعية الخصبة ويضغط على عدد سكانها الكبير، والذي أشارت الإحصاءات مؤخرا إلى أن عددهم وصل إلى 104 ملايين نسمة. فما هو هذا السد الذي يثير تلك المخاوف في مصر؟
خطأً مصري استراتيجي
قاربت المرحلة الأولى من سد النهضة على الانتهاء، ووصل ارتفاع السد الإسمنتي إلى 70 مترًا بنسبة 50% من حجم الإنشاءات، إذ لم يتبق إلا 25 مترًا ليصل إلى ارتفاع 95 مترًا، وبذلك يكون السد مؤهلًا لحجز 14 مليار متر مكعب من مياه النيل الأزرق، لبدء المرحلة الأولى من التشغيل.
تشمل تلك المرحلة تشغيل أول توربينين لتوليد 700 ميجاوات من إجمالي ستة آلاف ميجاوات، تمثل قدرات نظرية، تولدها التوربينات الستة عشرة المُزمَع تشغليها بنهاية عام 2017، وذلك بعد وصول البحيرة إلى سعتها القصوى بحجز 74.5 مليار متر مكعب، بخلاف خمسة مليارات تُفقد بالبخر من المسطح الكبير للبحيرة، وعشرة مليارات أخرى تُفقد بالتسرب العميق من قاع البحيرة.
والآن يجتاح الشارع المصري شعور عام بأن المواطن قد يدفع ثمنًا غاليًا، ولسنين طويلة مقبلة، مع بدء اقتراب التخزين (إن لم يكن قد بدأ فعلًا) بعد أقل من ستة أشهر.
ويزيد من القلق المصري ما انتهجته إثيوبيا مسبقًا مع جارتها الجنوبية كينيا، وبناءها ثلاثة سدود على نهر أومو المشترك بينهما، وقطع المياه عن شمال كينيا والإضرار ببحيرة توركانا وتشريد 200 ألف كيني في الشمال، والتسبب في أضرار بيئية بالغه للبيئة النهرية سواء في كينيا أو إثيوبيا، ما حدا بالهيئات الدولية إلى الاعتراض، ونجاحها في إيقاف تمويل السد الثالث جيلجل جيب III، والانتظار لمراجعة آثاره البيئية، ولكن لم تستجب إثيوبيا للقرار، بل بدأت في بناء السد الرابع.
لقد رفعت إثيوبيا لاءات ثلاث أمام المفاوض المصري، الذي ارتضاها مرتكباً خطأً استراتيجيّاً فادحاً: لا للحديث عن إيقاف العمل في السد، ولا للحديث عن مواصفات السد وارتفاعه وسعة تخزينه، وأخيرًا لا للحديث عن تقسيم لحصص المياه مع مصر والسودان.
وفي هذا الصدد اعتبر خبير المياه نادر نورالدين التأثير على حصة مصر في المياه بمثابة " إعلان حرب" منتقدا ماسماه إصرار أديس أبابا على تنفيذ المشروع بالرغم من عدم انتهاء عمل لجنة تضم خبراء من مصر والسودان وإثيوبيا إلى جانب استشاريين دوليين لبحث آثار سد النهضة الإثيوبي على الدول الثلاث.
وتحدّث أيمن سلامة أستاذ القانون الدولي لبي بي سي عن الناحية القانونية للقضية قائلا "لايجوز لإثيوبيا أن تقوم بتحويل رافد في نهر دولي تتشاطر فيه 9 دول أخرى فالمسألة ليست مصر والسودان لأن الأنهار الدولية تحكمها قوانين وأعراف وأي مساس بحصص المياه يتطلب إخطارا مسبقا وضمانات بعدم الإضرار".
ويقول خبراء إنه بحلول عام 2050 ستحتاج مصر إلى 21 مليار متر مكعب فوق حصتها الحالية لسد احتياجات سكانها الذي يتوقع أن يصل إلى 150 مليون نسمة من المياه.
تعثر مفاوضات
أعلنت مصر أخيراً تعثر مفاوضات «سد النهضة» مع إثيوبيا والسودان، بعدما فشلت اللجنة الفنية المعنية بالسد على المستوى الوزاري بين الدول الثلاث في التوصل إلى اتفاق بشأن اعتماد التقرير الاستهلالي الخاص بالدراسات المتعلقة بآثار السد على دولتي المصب.
تعثر مفاوضات «سد النهضة» ليس أمراً جديداً، فتاريخ مفاوضات السد مليء بالعثرات، بل إن العلاقات الثنائية بين إثيوبيا كدولة منبع ومصر كدولة مصب شهدت توتراً مكتوماً حيناً ومعلناً أحياناً أخرى على امتداد العقود الماضية.
فبينما تؤكد مصر حقوقها المكتسبة في مياه النيل من خلال الاتفاقيات التي تحفظ نصيب مصر منها، أعلنت إثيوبيا رفضها الدائم لاتفاقية 1929 واتفاقية 1959 في جميع عهودها السياسية.
وفي عام 2010 وقعت إثيوبيا على اتفاقية عنتيبي التي تنص على عدم الاعتراف بحصة مصر والسودان التاريخية في مياه النهر (تقليل حصة مصر من 55.5 إلى 40 بليون متر مكعب سنوياً).
يمكن القول إن أزمة سد النهضة تعكس تفاعلات السياسة الإقليمية والدولية وفقدان مصر لقدرتها السابقة للتأثير في محيطها الأفريقي. كما أنها كاشفة عن تخبّط القرار السياسي بخصوص السد وعدم تبلور رأي حاسم تجاهه والذي أحسنت إثيوبيا استغلاله مِن طريق جرّ مصر إلى المفاوضات، ما أكسب بناء السد شرعية كان يفتقدها سابقاً.
8 حقائق أمام مصر
البداية: منذ فترة طويلة وإثيوبيا تسعى إلى بناء سد يوفر لشعبها الاحتياجات المائية ولكنها لم تقدم فعليا على هذه الخطوة إلا مؤخرا حيث بدأت في بناء السد عام 2011.
الموقع: يقع السد في منطقة بينيشانغول، وهي أرض شاسعة جافة على الحدود السودانية تبعد 900 كيلو متر شمال غربي العاصمة أديس أبابا.
الامتداد: وقد رصدت الحكومة الأثيوبية مساحة واسعة من الأراضي لبناء هذا السد حيث يمتد المشروع على مساحة تبلغ 1800 كيلو متر مربع
الأكبر في أفريقيا: ويبلغ ارتفاع سد النهضة 170 مترًا ليصبح بذلك أكبر سد للطاقة الكهرومائية في أفريقيا.
الكلفة: وتكلف المشروع نحو 4.7 مليارات دولار موّلت أغلبه الحكومة الإثيوبية فضلا عن بعض الجهات الإقليمية والدولية.
السعة التخزينية: وتصل السعة التخزينية للسد إلى 74 مليار متر مكعب، و هي مساوية تقريبا لحصتي مصر و السودان السنوية من مياه النيل.
وتيرة العمل: يعمل نحو 8500 شخص في هذا المشروع على مدار 24 ساعة يوميًا.
توليد الكهرباء: ولهذا السد القدرة على توليد نحو ستة آلاف ميجاوط من الطاقة الكهربائية، وهو ما يعادل ثلاثة أضعاف الطاقة الكهربائية المولّدة من المحطة الكهرومائية لسد أسوان المصري.