يوماً بعد يوم، يثبت اللبنانيون صلابتهم في مواجهة الأزمات، إذ يأبوا الإستسلام أمام الصعوبات. ففي حين يشهد لبنان أزمة سياسية تكاد تكون الأقسى في تاريخه، تجاهد بلدية ذوق مكايل دون كلل أو ملل، لإعادة ضخ الحياة في شرايين السوق العتيق الذي يشكل دلالة واضحة ومثال حي على تاريخ لبنان وتراثه.
تؤمن بلدية ذوق مكايل ان دورها لا يقتصر على الجباية فقط، بل يتعداها إلى تحريك العجلة الإقتصادية. وتولي من اجل ذلك اهتماماً خاصاً لكافة المرافق الموجودة في الذوق ولا سيما السوق العتيق اذ تطمح أن تكون الذوق مرجع للباحثين عن الثقافة والأعمال التراثية والحرفية على مدى 365 يوماً.
في زيارة لمعرض التراث الفني في السوق العتيق، تلمس جهود البلدية تلك وفاعليتها في الحفاظ على صورة لبنان الجميلة امام السياح والمغتربين. ففي ذاك السوق، حيث يغلب التشاؤم على عدد كبير من الحرفيين، تطرب بسماع الفيروزيات التي تنسى معها معاناة قطاع تسير الكثير من مهنه نحو الإندثار.
بين التفاؤل والتشاؤم تتنوّع آراء الموجودين في السوق، فإذا كانت بلدية الذوق تبذل جهوداً مضاعفة للحفاظ على تراث لبنان وتاريخه، يبقى التقصير الرسمي بحق هؤلاء الحرفيين كبير جداً بغياب اي دعم لهم لأبسط حقوقهم من وجود ضمان صحي ومساهمة في تصريف الإنتاج عبر وضع خطط تأخذ بعين الإعتبار في الدرجة الأولى توعية المستهلكين المحليين لأهمية الصناعات الحرفية وقيمتها كإرث ثقافي.
سعادة: "النول" نحو الإنقراض
إعتبر سليم سعادة أن "الحياكة على النول مهنة ذات تاريخ وتراث قديم اشتهرت بها ذوق مكايل منذ أقدم السنين". وكشف أن "هذه المهنة تحمل معها الكثير من الفن والذوق الرفيع وهي بعكس المكنات الحديثة لا تتميّز بإنتاجية عالية كونها تندرج في مجال الأعمال اليدويّة، لذلك لا نجد الإنتاج معرض عشوائياً لا سيما إنّه باهظ الثمن كونه يمثّل قطع فنيّة".
واذ اشار إلى ان "الانتاج يوزّع في لبنان ويصدّر إلى الخارج لا سيما إلى الأسواق الخليجية حيث يصدر كماً من العبايات المميزة"، شدد على أن "هذه الحرفة إلى إنقراض، إذ يقتصر اليوم عدد العاملين فيها على اربع أشخاص فقط في الذوق مقابل 400 شخص في العقود السابقة". وردّ هذا التدهور إلى إنخفاض الطلب وتوجه معظم العاملين في القطاع إلى الإنحراط في وظائف تؤمن لهم دخلاً شهرياً مستقراً.
وفي رد على سؤال عن إمكانية إنعاش القطاع، قال: "سبق السيف العذل، لا سيما انه لا يوجد اسواقاً لتصريف الإنتاج كما في السابق في ظل إنخفاض الطلب بشكلٍ كبير".
عودة: لمبادرات تنعش القطاع
لم يخفِ أنطوان عودة تشاؤمه من مستقبل العمل على النول، إذ انه يرى "الأمور لا تبشّر بالخير". وأشار إلى انه "لا يزال يمارس هذه المهنة التي ورثها عن والده على رغم الإهمال التمادي للقطاع من قبل الجهات المعنية".
واذ لفت إلى أن "الطلب تراجع الى حدٍّ كبير في السنوات الأخيرة"، كشف "ان تصريف الإنتاج مقتصر على الأسواق اللبنانية بعد أن فقد السياح العرب واللبنانيين المغتربون الإهتمام بهذه المهنة وإنتاجها".
وفي رد على سؤال عن إمكانية إنعاش القطاع، قال: "قبل أن ندرس إمكانية إنعاش القطاع، يجب أن نحافظ عليه فاليوم لا دخول ليد عاملة جديدة الى القطاع وبالتالي المهنة مهددة بالإنقراض". واضاف: "اليوم لا يوجد للعاملين في هذه المهنة ضمان إجتماعي أو صحي، كما لا يوجد دعم للمواد الاولية في ظل صعوبات في تصريف الإنتاج".
وشدد على ان "المهنة لا يمكن ان تعيش بعصا سحرية بل يجب أن يكون هناك مبادردات تنعشها رويداً رويداً كما ماتت رويداً رويداً".
الأشقر: نعمل على دعم
الحرفيين بكل إمكاناتنا
أشار نائب رئيس بلدية زوق مكايل بيار الأشقر إلى أنّ "بلدية ذوق مكايل تولي اهمية خاصة للمرافق العامة فيها كالسوق العتيق والمدرج الروماني والحديقة والعامة والساحات حول البلدية وبيت الطفولة والمركز الثقافي". وشدد على "ان البلدية تؤمن بضرورة إعادة احياء السوق العتيق وضخ نفس جديد فيها لتعود عصب اقتصادي، دون إغفال ضرورة الحفاظ على الحرفيين والفنيين لأنهم هم الأساس والوجه التاريخي والثقافي والتراثي لهذه المنطقة". واعلن ان "البلدية تنظّم كل فترة قصيرة (15 يوماً) حدثاً في المرافق تلك تستقطب كل الأعمار التي يمكنها زيارة السوق العتيق ليتعرفوا عليه ويصبح بمثابة مرجع لكل شخص يريد شيء حرفي. واعلن "ان بلدية الذوق تطمح ليتكون الذوق مرجع للباحثين عن الثقافة والأعمال التراثية والحرفية على مدى 365 يوماً".
وفي رد على سؤال حول فعالية هذه النشاطات في ظل الواقع الإقتصادي الصعب والشلل الذي يعانيه البلد، شدد الأشقر على ضرورة تمتّع الإنسان بالإيجابية والطموح. وقال: "يعرف عن اللبنانيين كيفية تعاملهم مع الصعوبات ومواجهتهم للتحديات. من المفروض ان لا نيأس ونقف في مكانٍ واحد، فدورنا كبلدية ليس فقط الجباية إنما تحريك العجلة الإقتصادية بالموجود لا سيما ان هذا الامر يحتاج الى جهود كبيرة ووقتٍ طويل". واكد على "ضرورة عمل البلديات على تحريك الأمور في نطاقها اذ ان هذا كفيل ببث روح التفاؤل والتأكيد، خاصة أمام المغتربين، ان لبنان لا يزال مستمر ولا يزال اللبنانيون يعيشون حياة جميلة ويحافظون على تراثهم وتقاليدهم، حيث ان هذه النشاطات تبعد الناس عن الهموم السياسية والإقتصادية وتعاود شدّهم الى تاريخهم".
وفي ردّ على سؤال، اكّد الأشقر "ان بلدية الذوق تعمل على دعم كل الحرفيين الموجودين في السوق عبر عدة طرق اذ ان لكل حرفي طريقة معينة للحفاظ على وجوده". وكشف ان "البلدية تضع كل إمكاناتها في خدمة هذا الموضوع، حيث تخلق فرص عمل وتؤمن مشاريع ليتم العمل عليها كما تستفيد من خبرات البعض عبر تعيينهم كأساتذة لتعليم المهن، فهناك حرف في الذوق كالمرصبان والنول والحياكة تعيد تعليمها الى الجيل الجديد حتى لا تنتهي في يوم من الايام".
ولفت الى ان "البلدية تتعاون في نشاطها هذا مع المجتمع المدني والجمعيات التي لا تزال تؤمن بلبنان وتعمل على خلق جو من الألفة والمحبة بين أبناءه". واذ شدد على ان "البلدية تدعم كل القطاعات وتقوم بنشاطات متعددة وتستطيع أن تاخذ الرعاية من كل الوزارات ليكونوا إلى جانبها"، أكد على "انها موجودة على الأرض وتتمتّع بدورٍ فعال حيث تضع كل إمكاناتها في خدمة المنطقة".
خليل: لحملات تسويقية مضيئة
اشارت ندى عبود خليل الى ان "العمل الحرفي يحوي روح خاصة تميّزه عن كافة الصناعات الاخرى، وهذا ما يجعله محط إهتمام شريحة من الناس المهتمّة بالتراث والتقاليد". ولفتت الى ان "هذه الصناعات تعرض في معارض على قدرٍ عالٍ من الأهمية وتصدّر إلى الاسواق الخارجية وتلعب دوراً كبيراً في دغدغة حنين المغتربين الى وطنهم حيث تذكرهم بتراثه وتاريخه".
واشارت إلى أنّ "التراجع الإقتصادي اثر بشكل كبير على الطلب على هذه الصناعات لا سيما إنها تندرج في إطار الكماليات"، واذ اعتبرت ان "التسويق يبقى العماد الأساسي لأي عمل اذ انه قادر على تحريك عجلة العمل"، رأت ان "أبرز ما يحتاجه العمل الحرفي هو حملات تسويقية تضيء على أهميته وتضخ الحياة في مفاصله التي اصابها الشلل خلال السنوات الأخيرة".
نوّار: لا تعارض بين التكنولوجيا والعمل الحرفي
رأى حرب نوار ان "المعرض الحرفي في السوق القديم هو بمثابة خطوة إلى الامام لتشجيع الأعمال الفنية والحرفية لا سيما في ظل الوضع الإقتصادي المتراجع الذي يشهده لبنان والذي انعكس ركوداً وشللاً في الأسواق".
وفي رد على سؤال، اعتبر حرب "ان التطور والتقدم التكنولوجي والتقني والإنفتاح بين الاسواق لا يحمل اي تداعيات سلبية للصناعات الحرفية ولا يتعارض معها، اذ انها تختلف اختلافاً تاماً عن باقي الصناعات وما تطلبه فقط هو وجود ثقافة عند المواطنين تجعلهم يدركون أهميتها ويتوقون للتعرف عليها".
ولفت الى ان "العمل الحرفي يتميّز بأسعاره المرتفعة مقارنةٍ بغيره من السلع نتيجه ما يستهلكه من وقتٍ وجهدٍ كبيرين من الصناعين، وهذا للاسف، وفي ظل الاوضاع الإقتصادية الصعبة، يجعل زبائنه يقتصرون على الفئات الميسورة ويجعل استمرار هذه المهن رهناً بإهتمامهم بهذه الصناعات وإهتمام السياح العرب والاجانب المهتمّين بالاعمال التراثيّة.
حشيمي: متفائلون بالمستقبل
أثنت كورين زكا حشيمي على جهود البلدية التي بعملها تمكنت من إنعاش السوق التي عانت من جمودٍ كبير خلال السنة الماضية. واعتبرت ان "السوق العتيق في الذوق من اجمل المناطق الموجودة في لبنان لأنها لا تزال تحافظ على مستوى معيّن من الرقي والتراث".
وأبدت تفاؤلاً كبيراً بمستقبل العمل في السوق على رغم الاوضاع السائدة في لبنان، معتبرةً "ان السوق لم يفتح ابوابه لأي نشاط يمكن ان يقلل من قيمته، وهذا يحافظ على وجهه الحقيقي ويبقيه مقصداً للسياح وكل الراغبين بالتعرّف على التراث اللبناني".
وقالت: "لا بد للإنتظار أن يحمل معه الفرج، اذ لمسنا في الآونة الأخيرة عودة الناس للتوجّه الى التراث الذي لا يفقد قيمته بسهولة".
وفي رد على سؤال حول قدرة الدولة على ضخ الحياة في شرايين قطاع الصناعات الحرفية، اكدت حشيمي "ان من يتّكل على غير نفسه لن يصل يوماً إلى المكان الموجود"، واعتبرت انه "على الجميع التمتّع بثقة عالية بعملهم وإنطلاقاً من إيمانهم بوطنهم لا بد ان ينجحوا".
ورفضت حشيمي الحديث عن إنقراض لبعض المهن الحرفية، ورأت ان فقدان هذه المهن يعتمد بشكل أساسي على الفرد نفسه الذي يحرص على تعليم المهن لمن بعده. وأكدت ان "قطاع الصناعات الحرفيه حاله كحال لبنان يعاني من جمود كبير لكن مع اي تحسن بسيط سيعاود النهوض".
وشددت على أن قطاع الصناعات الحرفية قادر على تأمين المزيد من فرص العمل لا سيما للأشخاص الذين لا يملكون رؤوس اموال كبيرة للإستثمار، ما يسلّط الضوء على ضرورة إيلاءه الإهتمام اللازم من الدولة".
أسمر: لدعم العمل الحرفي
أشارت روز أسمر إلى أنّ" العمل الحرفي عالم خاص يستهوي أشخاص محدّدين يهتمون بالعمل اليدوي الحرفي".
وشددت على ان "ما يجب أن يتمتع به الصناعي الحرفي هو القدرة على التطور وابتكار أشياء حرفية جديدة تلبي أذواق الزبائن". وقللت أسمر من أهمية وجود السياح في انعاش القطاع، إذ رأت إنه على اللبنانيين تشجيع العمل الحرفي بأنفسهم. واذ ردّت ارتفاع سعر المنتجات الحرفية الى تكلفة اليد العاملة، شددت على ان المنتجات الحرفية منتجات تتميّز بالعمل المتقن والجمالية الخاصة.
ولفتت إلى أنها تقدم أعمال حرفية كثيرة من تطعيم ملاعق بالأحجار الكريمة والعمل على الزجاج من الفه إلى يائه، اضافة الى اعمال الأرتيزانا.