إحتياطات مصرف لبنان تمنع أياً كان من الوقوف في وجه الليرة
سلامة يضمن "سلامة" لبنان
يلاحق كابوس انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية اللبنانيين ، بين أزمة وأخرى ، والذين سبق ان عاشوا تداعيات هذه الأزمة في ثمانينيات القرن الماضي، حيث ارتفع سعر الدولار من 3.43 ليرات لبنانية لكل دولار عام 1980 إلى 16.41 عام 1985، ليصل عام 1992 إلى 2825 ليرة لبنانية.
وعلى الرغم من التأكيدات المستمرة بوجود عوامل كثيرة تمنع سعر صرف الليرة من سلوك أي منحى انحداري، تبقى عند اللبنانيين قابلية كبيرة لتصديق هذه "الترهيبات" نظراً إلى إنعدام الثقة بالدولة في ظل اقتصادٍ متهاوٍ وهزيل يعاني من مديونية كبيرة تتضخم رويداُ رويداً.
وكان صندوق النقد الدولي قد توقّع أن تبقى الثقة بالليرة اللبنانية قوية وأن يستمر ثبات سعر صرف الليرة أمام الدولار، وذلك بفضل الاحتياطات المرتفعة من العملات الأجنبية لدى مصرف لبنان، وقوة النظام المصرفي والالتزام الوثيق للمودعين. وأشار إلى أن السلطات النقدية تمكّنت من الحفاظ على استقرار سعر الصرف منذ العام 1999، وأن الودائع استمرّت في النمو خلال الأزمات السياسية والصدمات الأمنية السابقة، بما فيها اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري في العام 2005، والحرب الإسرائيلية في العام 2006، والشلل السياسي الأخير الذي استمر من أيار 2014 حتى تشرين الأول 2016.
ولفت الخبير الاقتصادي جاسم عجاقة إلى أن "الحديث عن انهيار الليرة هرطقة"، وهو يؤكد أن "الليرة محمية مالياً وقانونياً، ولا يمكن حتى أن تتعرّض للاهتزاز. وهذا بدا واضحاً خلال أزمة استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري".
واعتبر أن "السبب الأساسي يعود إلى وجود احتياطات مرتفعة في مصرف لبنان تقدر بـ44 مليار دولار، تفقد القدرة لأي كان مهما بلغت قوته المالية في الوقوف بوجه الليرة ".
وشدّد على أن "خبرة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة القوية والتي خوّلته أن يكون أهم حاكم مصرف مركزي في العالم تتيح له الإمساك بالقطاع المصرفي بيد من حديد، ما يمنع إجراء أي تحويلات من الليرة إلى الدولار بشكل عشوائي".
واعتبر أن "الصناديق الاستثمارية الكبيرة في الخارج كانت ستبقى مصدر خوف إذا ما سوّلت نفس البعض لهم التسلية بالعملة اللبنانية، لولا أنه جرى وضع قوانين تجعل كل مصرف مركزي هو المسؤول عن إصدار عملته، ما يعني أنه حتى هذه الصناديق التي تتمتع بسيولة هائلة وتعرف بعدائيتها عليها المرور عبر المصرف المركزي إذا ما أرادت شراء الليرة اللبنانية".
الثبات عنوان الأمان
ويعتبر ثبات الليرة اللبنانية هدفاً اساسياً ومستمراً في لبنان يحظى بإجماع جميع الأطراف. فهذا الثبات ركيزة للنمو الإقتصادي بمحافظته على بنية فوائد مقبولة، وللاستقرار الاجتماعي بمحافظته على القدرة الشرائية. فثبات الليرة في بلد كلبنان تعتمد رفاهية مواطنيه على الاستهلاك الأجنبي يجعل من سعر الصرف مكوناً اقتصادياً أساسياً. فاستيراد لبنان لأكثر من 80% من حاجاته الاستهلاكية في غياب الإنتاج المحلي الكافي يحتم تأمين عملات أجنبية لدفع ثمن البضائع والخدمات المستوردة. ومع تدهور قيمة الليرة أمام العملات الأخرى وتحديداً الدولار، سيجد اللبنانيون أنفسهم يدفعون قيمة أغلى للبضائع المستوردة.
وفقاً لعجاقة "أي اهتزاز في سعر صرف الليرة مقابل الدولار سيلحق باللبنانيين أضراراً كبيرة ولا سيما أن أكثر من 750 ألف شخص في لبنان يقبضون مداخيلهم بالليرة اللبنانية".
ورأى ان "الأهم في ثبات سعر صرف الليرة هو الحفاظ على قيمة الممتلكات، فأي شخص في أي دولة قادر على امتلاك أصول بالعملة الأجنبية لكن الأساس يبقى العملة الوطنية، إذ إن القوانين تنص على أن العمليات الشرائية لا يمكن ان تتم الا بالعملة الوطنية، ما يعني ان الحفاظ على الليرة يعني الحفاظ على الممتلكات وهذا هو الأساس".
وشدّد على أن "استقرار سعر صرف الليرة عنصر أساسي في جذب الاستثمارات، فلا يمكن لأي مستثمر الاستثمار في بلد لا يوجد فيه ثبات عملة ولهذا نرى أن البلدان التي تعاني من عدم ثبات سعر صرف عملتها لا تشهد معدلات استثمار عالية". وأوضح أن "ما يجذب المستثمرين إلى لبنان قبل الفوائد المرتفعة، هو ثبات الليرة. فارتفاع الفوائد لا يعني شيئاً إذا لم تكن العملة ثابتة".
رياض سلامة .. الضمانة
يمكن أن يتغير سعر صرف الليرة أمام العملات الأجنبية بشكل أساسي إذا تغيّرت ظروف العرض والطلب في أسواق القطع. وبالتالي تنخفض قيمة العملة المحلية في حال شح العملات الأجنبية وازدياد الطلب عليها، إلا في حال تدخل طرف ثالث في سوق القطع. وهنا تكمن أهمية مصرف لبنان الذي يتدخل بائعاً عملات أجنبية بحوزته، بغية الحفاظ على سعر متدنٍ لتلك العملات أمام الليرة.
ورأى عجاقة "أن وجود حاكم مصرف لبنان رياض سلامة هو إحدى الضمانات لثبات سعر صرف الليرة، فعلى رصيد رياض سلامة أكثر من 23 سنة من ثبات العملة خلال عناقيد الغضب واغتيال الحريري وتموز 2006 وأيار 2008 والنزوح السوري والتفجيرات المتنقلة والفراغ الرئاسي، وهذا ما يؤكد أنه خبير في وضع القيود التي تحول دون تغيّر سعر صرف الليرة".
الانهيار .. الخطر الأكبر
وينفي المتابعون أي وجود لخطر يتهدد الليرة اللبنانية فلبنان شهد ضغوطاً سياسية وأمنية كبيرة من دون أن تتأثر الليرة فيه، كما يشيرون إلى أن انهيار الليرة ليس أمراً سهلاً قد يحدث في غمضة عين على الرغم من وجود لبنان في منطقة مشتعلة، إنما هو أمر مصيري إذا ما حدث يحتاج إلى سنوات طوال للملمته.
واعتبر عجاقة أن "انهيار الليرة اللبنانية يعني انهياراً كاملاً لكل شيء في لبنان، فمنازل المواطنين لن يعود لها قيمة، كما سينخفض الاستهلاك إذ إن لا قيمة للعملة التي يملكها المواطنون وبالتالي لا مال بحوزتهم لإنفاقه، وسيصرف العمال من وظائفهم، وسيتوقف البلد بأكمله". وقال: "انهيار الليرة أمر خطير جداً، ولا يمكنني أن أتخيّل ما قد يحصل، قد لا نستطيع السير في الشارع، وسيحصل فلتان أمني واضطرابات اجتماعية".