تمارس ضغوطا عبر توجيه إثيوبيا بافتعال أزمات مع مصر
أي دور لـ "إسرائيل" في أزمة سد النهضة؟
تستمر إثيوبيا بشكل سريع في عمليات بناء سد النهضة وسط تأكيدات من أديس أبابا حول بداية إنتاج الكهرباء من السد في القريب العاجل مع استمرار تعثر المفاوضات المصرية لتقليل حجم المخاطر التي تتعرض لها القاهرة من جراء عملية البناء وتخزين المياه.
وبعيدا من المفاوضات المباشرة بين مصر وإثيوبيا، يوجد جانب يمثل خطورة وأهمية أكبر في موازنات أزمة سد النهضة، يتمثل في إسرائيل، والتي تتوطد علاقتها بشكل كبير مع عدد من دول القارة الأفريقية وعلى رأسها إثيوبيا.
تتزايد المخاوف المصرية الخاصة بمفاوضات سد النهضة الإثيوبي يوماً بعد الآخر، في ظل تعثر العديد من جولات التفاوض بين مصر من جانب، والسودان وإثيوبيا من جانب آخر، وتمسك كل طرف بمطالبه. وأعلنت مصر والسودان استئناف مفاوضات سد النهضة، بعد أسبوعين من دعوة وجهتها القاهرة إلى كلٍ من الخرطوم وأديس أبابا لعقد جولة ثانية من المفاوضات التُساعية.
وشهد آخر اجتماع في شهر آذار/ مارس الماضي في الخرطوم، عدم التوصل إلى حلول بشأن سد النهضة، خاصة مدة ملء السد ومدة التخزين بعدما شارك فيه وزراء الخارجية والري ومديرو مخابرات الدول الثلاث. وقال الدكتور عباس الشراقي، خبير الموارد المائية في معهد الدراسات الأفريقية في جامعة القاهرة، إن توصيات قادة الدول الثلاث مصر والسودان وإثيوبيا، نصت على الاجتماع للخروج بتوافق حول نقاط الخلاف الخاصة بالملء والتشغيل، لافتًا إلى أن تلك التوصيات ليست اتفاقية بل هي إعلان حسن النوايا.وأضاف الشراقي ، لمصراوي، أن هناك سيناريوهين في حال تعثر اجتماع 15 آيار/ مايو المقبل في أديس أبابا:
الأول يتمثل في طرح شهر آخر للاستمرار في اجتماعات السد. والثاني عرض النتائج على القادة، وكل طرف يكتب تقريره من جانب واحد، مشيرًا إلى أنه في حال فشل الجولات التفاوضية كافة ، سيجتمع القادة الثلاثة في شهر حزيران/ يونيو في الاتحاد الأفريقي.
وتأتي نقاط الخلاف بين الأطراف الثلاثة، بسبب مدة التخزين وآلية التشغيل وضمان حقوق مصر التاريخية في المياه المقدرة بحوالى 55.5 مليار متر مكعب. وتسعى إثيوبيا إلى تخزين 74 مليار متر مكعب من مياه النيل خلف السد، الأمر الذي من شأنه التأثير على حصة مصر المائية، التي تبلغ 55.5 مليار متر مكعب، بينما تروج إثيوبيا للسد ضرورة لتطويرها.
حجم المخاطر
تستمر إثيوبيا بشكل سريع في عمليات بناء سد النهضة وسط تأكيدات من أديس أبابا حول بداية إنتاج الكهرباء من السد في القريب العاجل مع استمرار تعثر المفاوضات المصرية للتقليل من حجم المخاطر التي تتعرض لها القاهرة من جراء عملية البناء وتخزين المياه.
وبعيدا من المفاوضات المباشرة بين مصر وإثيوبيا، يوجد جانب يمثل خطورة وأهمية أكبر في موازنات أزمة سد النهضة، يتمثل في "إسرائيل"، والتي تتوطد علاقتها بشكل كبير مع عدد من دول القارة الأفريقية وعلى رأسها إثيوبيا.
الدول الداعمة
وقال "بريخيت سمؤون"، المتحدث باسم الحكومة الإثيوبية، إن زيارة نتنياهو إلى إثيوبيا أتت تزامنا مع احتفالات الجبهة الثورية للشعوب الإثيوبية “الحزب الحاكم” بمناسبة الذكرى الـ22 لوصوله إلى سدة السلطة في إثيوبيا.
ووجه سمؤون، خلال تصريحات نقلتها الصحف الإثيوبية، الشكر العميق إلى الدول الداعمة لبناء سد النهضة وعلى رأسها "إسرائيل" والولايات المتحدة والإمارات والسعودية.
وتعد المملكة العربية السعودية والإمارات من أبرز الدول التي لها علاقات اقتصادية مستقرة مع إثيوبيا، كما تعتبر العلاقات بين البلدين وأديس أبابا مؤثرة بدرجة كبيرة على الاقتصاد الإثيوبي، ومصدرا من أهم مصادر الدخل الأجنبي.
وأوضح "يفجيني كلاوبر" المحاضر في قسم العلوم السياسية في جامعة "تل أبيب"، أن "إسرائيل" تؤدي دور الوسيط بين القاهرة وأديس أبابا لضمان عدم تضرر مصر مائيا بعد إقامة سد النهضة الإثيوبي.
وبحسب مقال نشره موقع "ميدا"، حمل عنوان “السد الإثيوبي الذي يعزز "إسرائيل" على حساب الفلسطينيين”، فإن حديث مصر عن دولة فلسطينية يراه الغالبية مجرد كلام لن يتحقق، والأهم بالنسبة إلى القاهرة هو مصالحها مع "إسرائيل"، وعلى رأسها مسألة سد النهضة، وإمكانية تأثير "إسرائيل" على إثيوبيا في هذا الإطار.
مشروعات "إسرائيل"
لدى سلطة الاحتلال الإسرائيلي العديد من المشروعات الاقتصادية داخل الأراضي الإثيوبية، كشف عنها السفير الإثيوبي السابق في "إسرائيل"، هيلاوي يوسف، حيث إن مجلس إدارة الكهرباء في إثيوبيا وافق على اختيار شركة كهرباء "إسرائيل" لتتولى إدارة قطاع الكهرباء في إثيوبيا، على أن تتضمن عملية الإدارة أيضا تقديم الاستشارات وإدارة المشروعات لإنشاء محطات طاقة جديدة ، جميعها سيقام على النيل الأزرق مباشرة.
وأكد يوسف، في تصريحات صحفية، أن "إسرائيل" دشنت مجموعة كبيرة من المشروعات الزراعية المشتركة داخل الأراضي الإثيوبية، بالإضافة إلى وجود ما يزيد عن 240 مستشمرا "إسرائيليا" في إثيوبيا.
ووفقا لما ذكره موقع وزارة الخارجية الإسرائيلي، تمتلك تل أبيب نحو 70 ألف دونم “الدونم يعادل 1000 متر مربع”، بما يعادل 70 مليون متر مربع، يتم استغلالها في زراعة قصب السكر، ما جعل "إسرائيل" تكون إحدى الدول المصدرة للسكر.
ووقع ضمن الاتفاقيات التي وقعتها "إسرائيل" مع إثيوبيا، مشروع ري ضخم من خلال المياه الإثيوبية، سيبدأ على الفور مع الانتهاء من سد النهضة وبداية توليد الكهرباء منه، ما سيدر عائدا اقتصاديا كبيرا على الدولتين.
ضغوط على مصر
وأضاف أستاذ العلوم السياسية، أن "إسرائيل" ستمارس ضغوطا على مصر عبر توجيه إثيوبيا بافتعال أزمات مع مصر في إدارة السد خاصة أنها تسعى إلى أن تكون الإدارة منفردة لمصلحتها من دون إشراك الجانب المصري فيها.
وأوضح الدكتور أحمد دراج، أن هدف "إسرائيل" من دعم عملية بناء السد، إعادة إحياء المشروع القديم الذي عرضه نتنياهو على مبارك بشأن تزويد "إسرائيل" بـمياه النيل، فمازالت تل أبيب في حاجة إلى مياه نهر النيل.
وطالب الحكومة المصرية بالذهاب إلى الأمم المتحدة ومحاولة استصدار قرار دولي بشأن وقف عمليات البناء في سد النهضة إلى أن تنتهي لجان يتم تشكيلها من دارسة أثاره على الدولة المصرية، بعد أن يقوم مجلس النواب المصري برفض اتفاق المبادئ الذي وقعه السيسي في العاصمة السودانية الخرطوم.
واستطاعت تل أبيب التواجد بقوة في العمق الأفريقي بعد حصولها على تفويض من الأمم المتحدة بتطوير الزراعة والأمن الغذائي في جميع الدول الأفريقية، كما أنها تسعى في الوقت الحالي إلى الحصول على مقعد مراقب في الاتحاد الأفريقي.
ولفت خبير مائي، إلى أن زيارة نتنياهو الأخيرة لإثيوبيا أتت تزامنا مع أزمة مصر وإثيوبيا في سد النهضة، وزار خلالها رئيس الوزراء الإسرائيلي 6 دول أفريقية على رأسها إثيوبيا.
اتفاقية عنتيبي
اتفاقية عنتيبي هي اتفاقية إطارية وقعت عليها دول المنبع في حوض النيل عام 2010 (أثيوبيا وكينيا وأوغندا ورواندا وتنزانيا) في مدينة عنتيبي الأوغندية، لطلب حصة إضافية من مياه النيل.
بينما اعترضت عليها دولتا المصب مصر والسودان، لأنها تنهي ما يسمى بالحصص التاريخية لهما في مياه النيل"55,5 مليار متر مكعب لمصر و18,5 مليار متر مكعب للسودان".
فيما ترى الكونغو أن الدول الخمس الموقعة على “عنتيبي” خالفت أحد المبادئ الأساسية المنصوص عنها في مبادرة حوض النيل، والمتعلقة بمبدأ التوافق في اتخاذ القرارات بين كل الأطراف، وهو ما لم يتم عند توقيع "عنتيبي".
وتدخل اتفاقية “عنتيبي” حيز التنفيذ في حال مصادقة ثلثي دول حوض النيل (6 من أصل 10). وفعلياً لم تصدق سوى 5 دول – بموجب القانوني الدولي – وإذا صدقت بوروندي ستصبح الاتفاقية سارية.
وبحسب بنود الاتفاقية فإن دول مبادرة حوض النيل ستنتفع انتفاعاً منصفاً ومعقولاً من موارد مياه المنظومة المائية لـنهر النيل، على وجه الخصوص الموارد المائية التي يمكن تطويرها بواسطة دول مبادرة حوض النيل وفق رؤية لانتفاع معقول آخذين في الاعتبار دول المبادرة بما فيها المخاوف حول حماية الموارد المائية وكل دولة من دول المبادرة لها حق الانتفاع من الموارد المائية للمنظومة المائية لـنهر النيل.