قانون الإغراق يحمي منتجاتنا ويؤمن إيرادات لخزينة الدولة .. لماذا لا يطبّق؟
نصراوي: قطبة مخفية تمنع دعم الصناعة
لم تنجح الجهود الحثيثة التي بذلها الصناعيون العام الماضي في إحداث أي خرق في جدار الأزمة الحادة التي يعاني منها القطاع، فحال المصانع تسير من سيء إلى أسوأ، في حين يؤكد عميد الصناعيين الغذائيين جورج نصراوي أن "لا وجود لبوادر خير في الأفق".
في الواقع، لم يكن الحديث مع نصراوي هذا العام كسابقاته، فالصناعي الذي خبر شؤون القطاع وهواجسه على مر عشرات السنوات يظهر منسوباً هائلاً من التشاؤم، إذ يصف واقع القطاع بالمزري، ويحذّر من أن عدم تحرّك الدولة لحماية القطاع سيؤدي إلى إقفال مصانع، كاشفاً أنه وبحسب إحصاءات وزارة الصناعة وجمعية الصناعيين شهدت السنوات الأخيرة إقفال ما يزيد عن 400 مصنع.
وفيما يصف نصراوي وزير الصناعة حسين الحاج حسن بـ"المدافع الشرس" عن القطاع، يشدّد على أن "القطاع لم ينل مطالبه إذ إن القرارات يتم إقرارها في مجلس الوزراء حيث تخضع كل المسائل للحسابات السياسية، وبالتالي من غير الممكن أن تسير الأمور ببساطة مطلقة".
ويعوّل إلى حد كبير على الانتخابات، إذ يعتبر أن عهد رئيس الجمهورية ميشال عون ينطلق بعدها، متمنياً أن ينتج منها مجلس نواب قادر على تشريع قوانين جديدة وأن تشكل حكومة توافق وطني تملك قرار النهوض بالوطن.
اجتماعات مثمرة .. ولكن
وأعلن نصراوي أن "الصناعيين لم يلحظوا خلال لقاءاتهم المتعدّدة مع رؤساء الجمهورية والحكومة ومجلس النواب والوزراء المعنيين إلا اتفاقاً كلياً على تشجيع الصناعة والوقوف معها. كما أن خطاب قسم رئيس الجمهورية تناول الصناعة، والرئيس سعد الحريري ألقى كلمة معبرة خلال عشاء جمعية الصناعيين خلال العام الماضي وكأنه واحدٌ منا، في حين ان رأي الرئيس نبيه بري لا يختلف البته عنهما. ونحن نتشكرهم على هذا الكلام الجميل، لكننا بحاجة إلى نتائج عملية، إذ قدمنا 23 ملفاً لحماية بعض القطاعات الصناعية ولم يتم إصدار أي قرار بشأنها بعد". وشدّد على "أن القطاع شهد تراجعاً كبيراً خلال السنوات الثلاث الأخيرة بسبب عدة أسباب وأبرزها إقفال الطرقات البرية للتصدير إلى العراق وسورية والخليج العربي، وارتفاع تكلفة التصدير عبر البحر الأمر الذي ينعكس بشكل مباشر على سعر المنتج في الأسواق الخارجية". وأعلن أنه "إضافة إلى مشاكل النقل، يعاني الصناعيون اللبنانيون من ارتفاع كلفة الإنتاج مقارنة بالدول المحيطة بسبب ارتفاع تكلفة الطاقة وتسديد الضرائب، ما يفقدهم المزيد من قدراتهم التنافسية".
وكشف "أن التصدير إلى السوق السورية التي تعتبر سوقاً واسعة يواجه تعقيدات بسبب اخضاع الصادرات الصناعية الغذائية للإجازة، التي يصعب الحصول عليها".
23 ملفا تنتظر
واعتبر نصراوي "أن ما يزيد من معاناة القطاع هو إغراق السوق المحلية بالمنتجات المستوردة، في حين أن قانون الإغراق هو القادر على حماية منتجاتنا وهو موجود في وزارة الاقتصاد والتجارة ولا يطبق، على الرغم من أننا كصناعيين تحركنا وقدمنا كما ذكرت 23 ملفاً لسلع تحتاج الحماية من دون جدوى، إذ لم يتم أخذ قرار بشأنها وعند المراجعة نصطدم بتقاذف للمسؤوليات بين المعنيين".
وأعلن أن "قانون الإغراق لا يتعارض مع مبدأ حرية التجارة، فمع تأسيس منظمة التجارة العالمية وإلغاء رسوم الجمارك، تم التوصل إلى هذا القانون الذي يفرض رسماً على المنتجات المستوردة المنخفضة السعر مقارنة بالمنتجات المحلية المماثلة بهدف خلق منافسة متكافئة بينها، وبالتالي فإن هذا القانون لا يحمي القطاع فحسب، بل يؤمن إيرادات لخزينة الدولة".
وأوضح أن "مشاكل القطاع أصبحت كبيرة ، فالصادرات الصناعية تدنّت من 4.5 مليارات دولار الى 2.5 ملياري دولار، ما يعني أن التراجع بلغ 2 مليار دولار. وهذا أمر لا يعني القطاع الصناعي وحده، بل الدولة بأكملها. فتراجع الصادرات يحد من دخول العملة الصعبة إلى البلد، ويخفّض من عدد فرص العمل المطروحة. إضافة إلى أن قطاع الصناعات الغذائية مرتبط إلى حد كبير بالقطاع الزراعي، ونمو القطاعين مرتبط ببعضهما البعض".
وقال: "أصبح لدينا الكثير من علامات الاستفهام. هناك قطبة مخفية تمنع دعم الصناعة. أتساءل: هل الدولة لم تعد تريد القطاع الصناعي في البلد؟".
وأكد أن "الصناعيين طالبوا بالدعم وشرحوا أبرز مكامنه، ولا سيما في ما يتعلق بالمعارض الدولية المتخصصة التي تحرص الدول على دعم مؤسساتها الصناعية للمشاركة فيها بغية رفع الصادرات لما يحمل هذا الأمر من إيجابيات عدة على الاقتصاد".
وشرح أنه "مع تكرار المطالب تمّت الموافقة على المساهمة بجزء من دعم المعارض، لكن المبلغ المرصود كان ضئيلاً جداً بالنسبة إلى التكلفة التي يتكبّدها الصناعيون".
الأسواق البديلة .. مهمة صعبة
وفي رد على سؤال حول المحاولة لإيجاد أسواق بديلة لتصريف الإنتاج المحلي ، قال نصراوي: "انطلاقاً من تجربتي كصناعي أصدر إلى الخارج منذ 38 عاماً وقد زرت 80% من بلدان العالم التي تحوي تواجداً لبنانياً أو عربياً أو شرق أوسطياً بهدف التصدير إليها، معظم الدول تضع قوانين صعبة وتتخذ إجراءات بغية حماية صناعتها الوطنية. ما يجعل مهمة إيجاد أسواق جديدة عملية طويلة وصعبة نوعاً ما".
وأضاف: "بعض أسواقنا التقليدية كسورية ومصر مثلاً فرضت مؤخراً إجراءات قاسية لمنع التصدير، وفعلياً انخفضت صادراتنا إلى مصر بنسبة 25% فيما الواردات المصرية ارتفعت 300%. وأمام هذا الواقع زرنا المسؤولين وأطلعناهم على الوقائع بالأرقام، ولكن لم يتم اتخاذ أي إجراءات حتى هذه اللحظة".
وتابع: "هناك إجراءات ضرورية لحماية الصناعة تأتي في إطار المعاملة بالمثل لا يتم اتخاذها، فيما وضع القطاع يتدهور إذ إن نسبة إقفال المصانع تتفوق على تلك التي يتم تأسيسها. قد يسألني البعض ماذا تنتظر؟ أقول إنه وعلى مدى 42 عاماً حاربت لأبقى في لبنان وعملت كسفير متجوّل للصناعة اللبنانية، حاملاً "بنديرة" الصناعة وأجول في معظم دول العالم لتشجيعها. ولكني لم أسمع كلمة شكر، بل اصطدمت بأعباء الضرائب والضمان وغيرها. فعلياً إن الدولة لا تهمها الصناعة".
واعتبر أن أي "خطة نهوض للإقتصاد اللبناني لا بد أن تلحظ أهمية القطاع الصناعي ولا سيما أن هناك دراسة للـUNDP أثبتت أن رفع الصادرات يرتبط بشكل مباشر بخلق فرص عمل جديدة". ولفت إلى أن "تكليف شركة "ماكنزي" العالمية لتقديم دراسة حول اقتصاد لبنان والرؤية المستقبلية يأتي في إطار تقديم دراسات مقنعة إلى مؤتمر "سيدر" في روما الذي نعوّل عليه إلى حد كبير. فدين لبنان بلغ 80 مليار دولار، وكسب ثقة الدول الدائنة أمر صعب. ومن شأن "ماكنزي" إضفاء ثقة على الدراسة رغم أن الخبراء الذين يقومون بها لبنانيون، ويجتمعون مع الأطراف اللبنانية للوقوف عند آرائهم.