روسيا تعتبر أن الزمن المقبل ليس زمن النفط
حروب الغاز في المتوسط.. لمن الغلبة؟
يشكل الغاز فعلياً مادة الطاقة الرئيسة في القرن الـ 21 سواء من حيث البديل الطاقي لتراجع احتياطي النفط عالمياً أو من حيث الطاقة النظيفة.
فبعد أعوام من كفّ الحديث عنه، عاد بقوة "غاز البحر المتوسط" ليتصدر الجدل في وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، بعدما تأكد حجم احتياطيات الحقول الواقعة في نطاق عدد من الدول المطلّة عليه.. أربك غياب المعلومات المشهد بعض الوقت، ما تسبّب في طرح عدد من الأسئلة حول "غاز المتوسط "!؟
هل يشتعل صراع الغاز في المتوسط؟ وهل الأسباب التي قد تكون، وفق ما ذكر بعض المحلّلين، فتيل حرب على وشك الاشتعال بسبب الغاز في البحر المتوسط؟
بنظرة عامة على غاز البحر المتوسط، سنجد أننا أمام حال من الاشتباك، غير المعلن حتى اللحظة، وأن ثمة "غضباً" مكتوماً قد ينفجر في أي لحظة حفاظاً على مصالح كل دولة وتحالفاتها من عائدات الغاز !
البداية من قبرص
وإذا كانت القضية من بدايتها بدأت من جزيرة الهلال الخصيب "قبرص" التي تنقسم إلى قسمين، قبرص "اليونانية" وقبرص "التركية"، فإن بدء قبرص "ليونانية" التنقيب عن الغاز في شمال البحر المتوسط، دفع الجانب التركي إلى الإعلان بأن أنقرة لها حق واضح في تلك الحقول وفي عمليات التنقيب، وأنه لا يمكن إغفال هذا الحق !
وبالحديث عن "إسرائيل" وعلاقتها بتلك القضية، نجد أن "إسرائيل" تمتلك حقلين كبيرين في مياه فلسطين المحتلة، الأول يسمى، "تامار"، والآخر يسمى، "ليفاياثان"، وهي ترغب في تصدير ما تمتلك من غاز إلى أوروبا عبرتركيا التي استبدلتها بمصر أخيراً.. ولكن لماذا مصر؟ لأن هذه الدولة هي الوحيدة التي لا ينازعها أحد على المياه الإقليمية وحقولها من الغاز في هذه المنطقة!
مصر بدورها، ومنذ فترة، أعلنت أنها تحاول أن تتحول إلى مركز إقليمي للغاز في الشرق الأوسط، وبالتالي ووفق خبراء في الطاقة، فإن تلك الاتفاقية لن تكون الأخيرة، فبعد "إسرائيل" ستعمل قبرص هي الأخرى على تسييل غازها في مصر وتصديره، إذ إنها لن تستطيع أن تفعل ذلك بمفردها بسبب الخلافات مع تركيا.
هنا تأتي مصر كأكبر المستفيدين، خاصة أن حقل "ظُهر" المصري سيكون من أكبر الحقول في تلك المنطقة، ومن المتوقع كذلك أن تبدأ مصر في تصدير الغاز بحلول عام 2020، وأن تكتفي ذاتياً من الغاز الطبيعي وهو ما سيوفر على الموازنة المصرية نحو مليار دولار سنوياً، (17 مليار و800 مليون جنيه مصري تقريباً).
لبنان يهدّد "إسرائيل"
لم ينته الجدل هنا، فإذا نظرنا إلى لبنان نجده هو الآخر بدأ مؤخراً عمليات التنقيب عن الغاز، فلبنان يرى أن له حدوداً جنوبية في البحر المتوسط من حقه استخراج الغاز منها، بينما ترى "إسرائيل" أن ذاك الشريط الحدودي وما يواجهه من مياه إقليمية هو حق لها دون غيرها..
لبنان بدأ التنقيب بالفعل في تلك المنطقة المتنازع عليها، و"إسرائيل" من جانبها قالت، بكل وضوح إن أعمال التنقيب اللبنانية تمثل استفزازاً لها وأن لديها الحق الكامل في تلك المنطقة، وبناء على ذلك طلبت من جميع الشركات الدولية عدم التنقيب عن الغاز في تلك المنطقة من مياه لبنان، ليأتي الرد سريعاً من الجنوب اللبناني، الذي هدّد باستهداف حقول الغاز الكبيرة الخاصة بـ "إسرائيل" في البحر المتوسط، "تامار" و"ليفاياثان". وهذا ما يفسر مسارعة الولايات المتحدة إلى إرسال مبعوث خاص إلى لبنان، وهو مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الادنى ديفيد ساترفيلد، وفي يده "الجزرة" عبر زيادة حصة لبنان من حقوله! و"العصا" عبر التهديد بعقوبات تهدّد الاقتصاد اللبناني، وهو ما رفضه الرؤساء الثلاثة، فخامة رئيس الجمهورية، ميشال عون. ودولة رئيس مجلس النواب، نبيه بري. ودولة رئيس الحكومة، سعد الدين الحريري، من خلال تأكيد حق لبنان في حقوله بالمتوسط وبالقرب من المياه الإقليمية لفلسطين المحتلة.
بل إن الموفد الأميركي ذهب بعيداً في وقاحته من خلال ابتزاز المسؤولين اللبنانيين بقوله إنه من الممكن تحسين حصة لبنان في المنطقة المتنازع عليها مع "إسرائيل" عبر رفع النسبة من 60 بالمئة حسب اقتراح هوف ما بين 10 و15 بالمئة لتصبح حصة لبنان بين 70 و75 بالمئة من هذه المنطقة، ودعا ساترفيلد إلى التفاوض حول «البلوكات» 8 و9 و10 على اعتبار أن "إسرائيل" تعتبر أن لها «حقوقاً» في هذه البلوكات، لكن لبنان رفض هذا الطرح بالكامل، وهدّد بمنع "إسرائيل" من تصدير غازها عبر البحر.
السر السوري
مع بدء "اسرائيل" عام 2009 استخراج النفط والغاز من المياه الإقليمية لفلسطين المحتلة بات واضحاً أن حوض المتوسط قد أصبح داخل اللعبة وأن سورية تستعد للهجوم عليها في غياب أي تسوية مع هذا الكيان الاستيطاني في المنطقة، ولأن عصر الطاقة النظيفة هو القرن الواحد والعشرون.
سورية هي بؤرة منطقة التجميع والإنتاج بالتضافر مع الاحتياطي اللبناني وهو فضاء استراتيجي ــ طاقي يُفتح لأول مرة جغرافياً من إيران إلى العراق وسورية ولبنان على المتوسّط . ولذلك لم يكن استهداف سورية، منذ بداية العام 2011، بعيداً من الصراع على الغاز في العالم والشرق الأوسط. وهو ما كان من الممنوعات وغير المسموح بها لسنين طويلة خلت. الأمر الذي يفسر حجم الصراع على سورية ولبنان في هذه المرحلة .
المعلومات المتوافرة تقول إن هذا الحوض السوري هو الأثرى في العالم بالغاز وعلى ذلك يؤكد "معهد واشنطن" أن سورية ستكون الدولة الأغنى في العالم.
* إن الصراع بين تركيا وقبرص سيستعر نظراً إلى عدم قدرة أنقرة على تحمل خسارتها لغاز نابوكو
* توقيع موسكو عقداً في 28/12/2011 مع أنقرة اتفقا بموجبه على تمرير جزء من السيل الجنوبي عبر أراضيها.
* إن معرفة السر الكامن في الغاز السوري، ستفهم الجميع حجم اللعبة على الغاز لأن من يملك سورية يملك الشرق الأوسط .
فهي بوابة آسيا ومفتاح بيت روسيا (حسب كاترين الثانية) وأول طريق الحرير (حسب الصين).
والأهم هو أن من يملك الدخول عبرها إلى الغاز، يملك العالم خصوصاً أن القرن المقبل هو قرن الغاز.
وبتوقيع دمشق اتفاقاً لتمرير الغاز الإيراني عبر العراق إليها ومن ثم للبحر المتوسط سيكون الفضاء الجيوسياسي قد انفتح والفضاء (الغازي) قد أغلق على غاز "نابوكو" شريان الحياة .
وقال "معهد واشنطن": إن سورية هي مفتاح الزمن المقبل.
ويحدثنا الواقع المعقّد للعدوان على سورية فيذهب بنا إلى أن الصراع حول النفط والطاقة (والغاز تحديداً) شكّل أحد الأبعاد السرية المهمة لهذا العدوان.
ووفق دراسة مهمة للباحثة "هناء عليان" تحمل عنوان :
"حروب الغاز هى سبب الاضطرابات في الشرق الأوسط"
تقول فيها :
لا شك أن حرب الغاز، تشكل إحدى الخلفيات المهمة للأحداث في سورية.
والظلال الخفية لهذه الحرب يتم التستر عليها.
ولكن الغاز والسباق على استثماره من جهة، والبحث عن خطوط إمداد جديدة له إلى أوروبا ليشكل بديلاً للغاز الروسي من جهة أخرى.
هما من أبرز خلفيات العدوان الحالي على سورية.